كلمة الفريق

في عصرنا يوجد مئات الآلاف من المدونين والمدونات ، البعض يعمل بشغف وحب والآخر يعمل بشكل إنتاجي للكسب فقط ! أما نحن .. نحب ونعشق وندوووب في دباديب التدوين ونؤمن أننا سنقوم بإضافة كبيرة للمحتوى العربي ولو بشيئ بسيط ، نتعلم بشكل مستمر نشارككم بكل جديد ، نحاول المساعدة نحب أصدقاءنا ، نهتم بإستفساراتهم كما لو كانت ملكنا، فريقنا فريق واحد رغم أنه متكون من شخص واحد :) لكنه يعمل بجنون

الفلسفة

الشعور واللاشعور

طرح المشكلة :يهتم علم النفس بدراسة مختلف الظواهر النفسية الصادرة عن الإنسان من ذاكرة و تخيل و عواطف و رغبات و ميول و هي أحوال باطنية و ذاتية لا يمكن التعرف عليها و إدراكها إلا بواسطة الشعور وهو معرفة النفس لأحوالها و أفعالها مباشرة ، غير أن هناك أحوالا نفسية باطنية أخرى لا ندرك حقيقتها و لا نشاطها و التي لها تأثير عميق على سلوكنا و هي تشكل ما يعرف باللاشعور، وهذا ما أدى إلى ظهور صراع و جدال بين علماء النفس و الفلاسفة حول أساس الحياة النفسية فالبعض يرى انه عن طريق الشعور يمكن فهم و تفسير كل الأحوال النفسية لكن البعض الآخر يرى أن هناك أفعالا تصدر عنا و لا نستطيع فهمها و تفسيرها بالشعور و الوعي و هو ما أدى إلى افتراض وجود اللاشعور و من هنا نتساءل: هل الشعور كاف لمعرفة و تفسير حياتنا النفسية؟ أم أن اللاشعور ضروري لتفسير ما لا نفهمه عن طريق الشعور؟ و بتعبير آخر هل أساس الحياة النفسية هو الشعور فقط أم أن هناك جوانب لا شعورية لابد من الاعتراف بها ؟
محاولة حل المشكلة :
عرض منطق الأطروحة: يرى أنصار علم النفس التقليدي و على رأسهم الفيلسوف الفرنسي رونيه ديكارت DescartesRené( 1596-1650 ) و مواطنه آلان Alain (1868-1951 م) أنالحياة النفسية قائمة على الشعور وحده ، وهو الأساس الذي تقوم عليه ، فيكفيأن يحلل المرء شعوره ليتعرف بشكل واضح جلي على كل ما يحدث في ذاته من أحوالوخبرات نفسية وكل ما يقوم به من أفعال وسلوكات ، فالشعور هو أساس الحياةالنفسية ، وهو الأداة الوحيدة لمعرفتها ، وأن الشعور والنفس مترادفان ، ومنثـمّ فكل نشاط نفسي شعوري ، وما لا نشعر به فهو ليس من أنفسنا ، و قد انطلقوا من المسلمات التالية: الانطلاق من القاعدة الثنائية :النفس و الجسد ؛فكل ما هو شعوري نفسي و كل ما لاشعوري جسدي ، الشعور هو الأساس الوحيد للنفس.
الحجج و البراهين:و قد برروا موقفهم بالحجج التالية:
فالحجة الأولى نجدها عند ديكارت الذي يتصور أن الإنسان يتكون من ثنائية الجسم و الروح( النفس) و أن النفس لا تنقطع عن التفكير إلا إذا تلاشى وجودها فهي تشعر بكل ما يجري داخلها من أحوال و انفعالات و عواطف كالفرح و الحزن و الغضب و أما الحوادث اللاشعورية فتتمثل فقط في بعض النشاطات الفيزيولوجية الآلية المرتبطة بالجسم و التي تحدث دون وعي منا كالدورة الدموية ؛و انقسام الخلايا و نبضات القلب ؛و حركة الرئتين و قيام المعدة بهضم الطعام؛ و عمل الدماغ و نمو الأظافر و الشعر؛ كلها وظائف تعمل من غير شعورنا بها فقد رفض علم النفس التقليدي إمكانية وجود لا وعي نفسي و اعتبر هذه العبارة متناقضة فاللاشعور هو جسدي أما النفسي فهو الشعور. يقول ديكارت: « لا توجد حياة نفسية خارج الروح إلا الحياة الفيزيولوجية » و يقول أيضا: « الشعور و النفس مترادفان »، وفي قول آخر: « النفس جوهر ميتافيزيقي بسيط يتكون من الشعور فقط ».
والحجة الثانية منطقية في طابعها وهي مستمدة بالضبط من " كوجيتو ديكارت " القائل : » أنا أفكر ، إذن أنا موجود »Je pense donc je suis، وهذا يعني أن الفكر دليل الوجود ، وأنالنفس البشرية لا تنقطع عن التفكير إلا إذا انعدم وجودها، فكلمة الجسم عند ديكارت تعني شيئا ماديا يشغل مكانا و على ذلك فالجسم البشري هو مجرد « جسم » و تسير حجته على النحو التالي: * ٳنني موجود لا ريب في ذلك ( فهو أمر لا يمكن الشك فيه)،* و أن لي جسدا، ذلك أمر فيه شك ( يمكن الشك فيه ).* ذلك يعني أن وجودي مستقل عن الجسد.* و من ثم فإنني لا أستطيع أن أكون على يقين من أنني موجود عندما لا أفكر.* و على ذلك فوجودي و وجود نفسي يعتمد على تفكيري.* و إذن؛ فأنا من حيث الماهية( وهي الصفات الأساسية للشيء)، شيء مفكر أي أنني نفس، أو ذهن ، أو عقل.و لهذه الحجة المنطقية عدة نتائج منها أن وجودنا يعتمد تماما على وعينا و شعورنا فقط، و ما إن نكف عن التفكير فإننا عندئذ نختفي.و نتيجة أخرى هي أن أذهاننا أو أنفسنا تستمر في الوجود بعد أن تموت أجسادنا. يقول ديكارت : « إنني لست مقيما في جسدي كما يقيم الملاح في سفينته، ولكنني متصل به اتصالا وثيقا، ومختلط به بحيث أؤلف معه وحدة منفردة، ولو لم يكن الأمر كذلك، لما شعرت بألم إذا أصيب جسدي بجرح، ولكني أدرك ذلك بالعقل وحده، كما يدرك الملاح بنظرة أي عطل في السفينة ».
و كلمة شعور في اللغة اليونانية مأخوذة من اللفظ Conscientia، ويعني الوعي أو امتلاك وعيبشيء ما. أما بالنسبة للفظة الفرنسيةConscienceفتعني الفهم المباشر من طرف الفكر لذاته ؛ فعندما أفكر فأنا أعرف بالضرورة أنني أفكر أيضا ،فكيف أضمن أنني لا أحلم في الوقت ذاته الذي أكون فيه مستيقظا؟ .. ولماذا لا يخدعني الله عندما أرى بوضوح أن 2 و 3 يساويان 5؟، كل هذا يتم بفضل الشعور الذي يعتبر الفكر أهم مظهر له ،و من ثمة لا نستغرب كيف أن جميع المناطقة القدامى عرفوا الإنسان بأنه كائن عاقل ناطق و النطق هنا تعبير عن الفكر،يقول ديكارت:«من خلال اسم الفكر نعرف كل ما يدور بدواخلنا بالصورة التي تجعلنا واعين بذلك، كلما كان لنا وعي به »، و يقول أيضا: «ليس هناكشيء يمكنه أن يكون في متناولنا غير أفكارنا »
*وهناك حجة منطقية أخرى تقول أن كون كل ما هو نفسي يرادف ما هو شعوري يلزم عنه أن كل ما أشعر به فهو موجود و ما لا أشعر به فهو غير موجود فالقول بوجود حياة نفسية لا شعورية هو من باب الجمع بين النقيضين في الشيء الواحد و هذا خطأ .فكل ما يحدث فيالذات قابل للمعرأيضا الفيلسوف الفرنسي أندريه لالاند (1867-1963م) André Lalandeالذي عرف الشعور في موسوعته الشهيرة بقوله: « الشعور هو حدس الفكر لأحواله وأفعاله » ’ ويكون الشعور بهذا التعريف هو الوعي الذي يصاحبنا دوما عند القيام بأي عملونجد من المسلمين من تطرق لهذا الموضوع وهو ابن سينا (980م-1037م) الذي اعتبرأن أساس إثبات خلود النفس هو الشعور وأن الإنسان السوي إذا تأمل نفسه يشعر أن ما تتضمنه من أحوال في الحاضر هو امتداد للأحوال التي كان عليها في الماضي و سيظل يشعر بتلك الأحوال طيلة حياته لأن الشعور بالذات لا يتوقف أبدا حيث يقول « إن الإنسان إذا تجرد عن تفكيرهفي كل شيء من المحسوسات أو المعقولات حتى عند شعوره ببدنه فلا يمكن أن يتجردعن تفكيره في أنه موجود وأنه يستطيع أن يفكر» و يقول أيضا:« الشعور بالذات لا يتوقف أبدا »،ومعنى هذا أن الشعور يعتبرأساسا لتفسير وتحديد العالم الخارجي نظرا لما يتضمن من عمليات عقلية متعددةومتكاملة .
كما دعم هذا الموقف هنري برغسون مؤسس علم النفس الاستبطاني الذي يرى أن الإنسان يدرك ذاته إدراكا مباشرا فهو يدرك تخيلاته وأحاسيسه بنفسه إذ لا يوجد في ساحة النفس إلا الحياة الشعورية كما يمتاز الشعور بخاصية مهمة وهي الديمومة فهو مستمر و متصل لا يعرف الانقطاع إلا في حالات خاصة حيث يقول هنري برغسون: « الشعور ليس ممتدا في المكان بل هو تدفق في الزمان » فتغير الحالات الشعورية لا يعني وجود فراغات تفصل بين الحالات المختلفة بل هو متصل رغم النوم وحالة الغيبوبة فالشعور يستأنف مجراه ويندمج كما تنصهر الألوان و تتوحد لحظة مغيب الشمس ، ويعبر برغسون Bergson عن الاتصال في الشعور بالديمومة (Durée) ويعني بها اتصال الأحوال الشعورية واندماج اللاحق منها بالسابق أثناء جريانها بحيث تصحبها فكرة الكيف لا فكرة الكم التي تجزئ المتصل و يعمد إليها الإنسان عند التفكير أو التواصل مع الغير،. .
زيادة على أن هناك حجة نفسية أخرى فالدليل على الطابع الواعي للسلوك النفسي هو شهادة الشعور ذاته كملاحظة داخلية إذ يستطيع الإنسان أن يتعرف على ذاته عن طريق الاستبطان أو التأمل الذاتيالاستبطان (معرفة الباطن أو تعرف الباطن ) Introspection هو معاينة الفرد لعملياته العقلية أو هو المعاينة الذاتية. ويُعرّفه بعضهم بأنه ملاحظة الشخص المنظمة لما يجري في شعوره من خبرات و تجارب حسية أو عقلية أو انفعالية تصف هذه الحالات وتحللها وتؤولها أحياناً، سواء أكانت حاضرة كحالة الحزن أو الغضب أم ماضية كأحلام النوم. وهو أيضا ملاحظة داخلية لما يجري في النفس من فرح و حزن و غضب حيث ينقلب الفرد إلى شاهد على نفسه ليعلم أن له ذاتا أو نفسا حقيقية تميزه عن الآخرين، ومازاللهذا المنهج أهميته وضرورته في دراسة بعض الظواهر النفسية، كذلك كان أساساً للعديدمن الأدوات والمقاييس النفسية خاصة في دراسة الشخصية وأبعادهاالمختلفة وقياس خصائصهاوسماتها ،فالإجابة على غالبية الاستخبارات التي تقيس الشخصية تعتمدعلى استبطان الفرد لذاته، كذلك المقابلة التي تعتمد على ما يقرره الفرد عنذاته. و أيضا في دراسة الأحلام.

و ترجع جذور هذه النظرية إلى الفلسفة اليونانية وبالتحديد إلى آراء سقراطSocrate 479/ 399 ق م ، الذي اعتقد إن الإنسان يعرف نفسه ويستطيع الحكم عليها وعلى أحوالها وأفعالها وقد عبر عن ذلك بمقولته الشهيرة « ٳعرف نفسك بنفسك ». ومن أنصار منهج الاستبطان أيضا العالم الفرنسي مونتانيه Montagnierالذي يقول: « لا أحد يعرف هل أنت جبان أو طاغية إلا أنت، فالآخرون لا يرونك أبدا »
النقد:لا ننكر أن الإنسان كائن يعي و يشعر فهو يعيش معظم لحظات حياته واعيا،لكن هذا الموقف يفسر بعض الجوانب النفسية فقط ويعجز عن تفسير كثير من الحالات الأخرى التي يتعرض لها الإنسان في حياته فلا يوجد شيء يؤكد أن الحياة النفسية هي كلها شعورية وقابلة للملاحظة ، فهناك الكثير من الحالات النفسية والسلوكية عجز الإنسان عن تفسيرها تبعا للشعور فأحيانا يكون الإنسان قلقا لكنه لا يعرف سبب قلقه و أحيانا ننجذب إلى شخص ما أو ننفر منه دون معرفة السبب كما أن الإبداع الفني و العلمي لا يمكن تفسيرهما بالشعور فقد فمن أين تأتي الأفكار المذهلة التي يقدمها الشعراء و الأدباء و العلماء... ،و بهذا يصير جزء من السلوك الإنساني مبهما و مجهول الأسباب و في ذلك تعطيل لمبدأ السببية الذي يقول أنه ما من ظاهرة تحدث إلا و لها سبب يفسرها و هذا المبدأ هو أساس العلوم كما أن الملاحظة ليست دليلا على وجود الأشياء حيث يمكن أن نستدل على وجود الشيء من خلال آثاره فلا أحد يستطيع ملاحظة الجاذبية أو التيار الكهربائي، و رغم ذلك فآثارهما تجعلنا لا ننكر وجودهما. ، وأخيرا يمكننا القول عن منهج الاستبطان أن تطبيقه غير ممكن دائما لأن الذات واحدة و لا يمكن أن تشاهد ذاتها بذاتها لأن المعرفة تفترض وجود العارف و موضوع المعرفة و لكن في الاستبطان يتحد موضوع المعرفة مع الذات العارفة وهذا ما يجعل الدراسات عن النفس غير موضوعية و غير صادقة فالشعور قد يكون وهما و مبالغة و تضخيما للأحوال النفسية فانقسام الفرد إلى ملاحظ وملاحظقد يصرف انتباهه عما يلاحظ داخل نفسه، فقد لا يكون الفرد صادقاً في التعبير عما يشعر به حقيقة؛ بقصد عدمقدرته على مواجهة ذاته، أو بغرض تزييف الاستجابة،كمالا يصلح هذا المنهج للأطفال الصغار أو بعض فئات من ذوىالحاجات الخاصة ( التخلف العقلي مثلاً). يقول الفيلسوف و عالم الاجتماع الفرنسي أوجست كونت Auguste Comte (1798-1857م)منتقدا منهج الاستبطان القائم على الشعور كمصدر وحيد لفهم النفس : « لا يمكنني أن أكون أنظر من النافذة، و أن أشاهد نفسي في الآن عينه، و أنا أسير في الشارع »، و المقصود من هذا القول أن الدارس وهو( الأنا ) هو نفسه المدروس بالتالي لا توجد مراقبة موضوعية لحياتنا النفسية ،وهنا كان لابد من افتراض جانب آخر يشكل الحياة النفسية وهذا الجانب هو اللاشعور.

عرض نقيض الأطروحة :في المقابل، يرى الكثير منأنصار علم النفس المعاصر ، أن الشعور وحده ليس كافيا لمعرفة وفهم كل خبايا النفسومكنوناتها ، كون الحياة النفسية ليست شعورية فقط ، لذلك فالإنسان لا يستطيع – في جميع الأحوال - أن يعي ويدرك أسباب سلوكه - ومادام الشعور لا يستطيع أنيشمل كل ما يجري في الحياة النفسية ، فهذا يعني وجود نشاط نفسي غير مشعور به، الأمر الذي يدعو إلى افتراض جانب آخر من الحياة النفسية هو اللاشعور و الذي يمثل مختلف الأحوال النفسية الخفية كالميول و الرغبات و الأفكار المكبوتة التي لا ندرك نشاطها أو حقيقتها و التي لها تأثير عميق على سلوكنا،ولقد دافع عن هذا الموقف العديد من علماء النفس منهم الفرنسي: شاركو (1825-1893م) Charcotو مواطنه بيرنهايم ( 1837-1919م)Bernheim و الطبيب النمساوي جوزيف بروير (1842-1925م)Josef Breuer وطبيب الأعصاب النمساوي ومؤسس مدرسة التحليل النفسيسيغموند فرويد (1856-1939م)Sigmund Freud الذي يرى أن : « اللاشعور فرضية لازمة ومشروعة .. مع وجودالأدلة التي تثبت وجود اللاشعور »و قد انطلقوا من المسلمات التالية: الشعور وحده عاجز عن تفسير كل ما يصدر عن النفس.
الحياة النفسية تنقسم إلى شعورية و لا شعورية و اللاشعور يمثل الجانب الأكبر منها.
الحجج و البراهين: وقد برروا موقفهم بحجج عديدة أهمها:
ففي العصور الحديثة أشار كثير من المفكرين و الفلاسفة الى اللاشعور فكانوا ممهدين لفكر فرويد، لكن أيا من هؤلاء لم يبن نظرية متماسكة قاعدتها اللاشعور منهم شوبنهاور (1788-1860م) Schopenhauerالذي قال :« ٳن دوافعنا الشعورية ليست سوى واجهة تخبئ دوافعنا اللاشعورية، و أن إرادة الحياة تتألف من غريزة المحافظة على الذات و الغريزة الجنسية، و أن الكبت بواسطة العقل يشكل أساسا لأمراض النفس » ، وأيضا الفيلسوف الألماني نيتشه (1844-1900م) Nietzcheالذي تكلم عن اللاشعور وأقنعته و قال أن القيم الأخلاقية تصدر غالبا عن غرائز أنانية عدوانية و جنسية .


مع أواسط القرن التاسع عشر بدأت ردة فعل قوية ضد المنهج التقليدي و كان سببها الظواهر المرضية كالهستيريا Hystérie و
*ثم جاء الطبيب النمساوي سيغموند فرويد الذي تلقى تعليمه في فينا و عمل أستاذا لعلم أمراض الأعصاب و كان قد لاحظ مع شريكه الطبيب بروير أن مرضاه المصابين بالهستيريا (و المترافق مع شلل اليدين أو الرجلين أو جمود الرقبة و صعوبة في استعادة الذكريات الأليمة و نوبات عصبية ) يستعيدون حياتهم السوية و الطبيعية بعد تذكر حادثة معينة مروا بها و استطاعوا روايتها. اتبع فرويد بداية طريقة التنويم المغناطيسي الشائعة في ذلك الحين. ولاحظ أن المريض الذي يتكلم أثناء نومه يفضح ذكرياته الأليمة التي لم يكن يجرؤ على فضحها من غير التنويم,إلا أنه يتحرر من مرضه حينما يصبح اللاشعور واعيا فيتم الشفاء و سمى هذه الطريقة بالتطهيرية فقد عالج "فرويد" و "بروير" فتاةتبلغ من العمر 21 سنة تسمى أنا Anna وكانت تعاني من أعراض عصابية عديدةمثل السل والسعال العصبي وكشف التنويم المغناطيسي أن لها ذكريات مكبوتة تسمع فيها صوت موسيقي راقصةتأتي من منزل قريب بينما كانت تعتني بوالدها الذي توفى فيما بعد ؛ فاكتشفا أن شعورها بالذنب راجع لكونها كانت تعتقد أنهاكانت ترقص ( فقد كانت تتدرب على الرقص ) أكثر مما كانت ترعى والدها بعدها اختفى سعالها العصبي بعد أن ظهرت منجديد تلك الذكرى المكبوتة .لكنه اكتشف بعد حين أن الطريقة التطهيرية بربرية لأنها ترهق المريض و تخيفه ،كما أن المرض يعود للمريض من جديد بعد فترة وأن بعض الأشخاص يبدون مقاومة شديدة و يصعب تنويمهم فوضع طريقة جديدة تدعى التحليل النفسي Psychanalyseالتي تقوم على الحوار و التداعي الحر للأفكار Libre Association و التي تهدف إلى اكتشاف اللاشعور ومن مظاهرها عدم مقاطعة المريض أثناء كلامه إلا عند الضرورة على ألا يخفي المريض عن طبيبه شيئا مهما بدا له تافها أو مرفوضا أخلاقيا و الهدف هو إخراج هذه الرغبات المكبوتة في اللاشعور فيصارعها المريض من جديد إلى غاية أن تزول الأعراض المرضية .وقد طور فرويد طريقته في التحليل النفسي فأخذ بتأويل زلات اللسان و الأفعال الناقصة و الأحلام الليلية، و قد صادفت هذه النظرية رواجا كبيرا في أوساط علماء النفس و المثقفين، يقول فرويد:« اللاشعور فرضية لازمة ومشروعة .. مع وجود الأدلة التي تثبت وجود اللاشعور »
*و ما يثبت وجود اللاشعور أيضا حسب التحليل النفسي وجود عمليات نفسية لاشعورية لا تقتصر على المرضى بل على الأسوياء أيضا منها الحيل الدفاعية اللاشعورية التي نستخدمها للتخلص من الدوافع المنبوذة أو لحماية الذات من القلق الشديد، و تأثير الرغبات المكبوتة التي لا يمكن تحقيقها في الواقع، أو من تأنيب الضمير،فالقلق هو إنذار بالخطر يخبر الأنا أن شيئا ما ينبغي عمله،وإذا لم يتم تجنب القلق أو التعامل معه بفاعليه فإنهيصبح مرضا نفسيا.وعندما يعجز الأنا عن التعامل مع القلق بطرق منطقية(عقلانية) فإنه يلجئ إلىطرق غير واقعية تسمى بــ(آليات الدفاع أو الحيل الدفاعية) والتي من أهمها: الأحلام: التي تعتبر مناسبة لظهور الميول و الرغبات المكبوتة في اللاشعور في صور رمزية،، فالحلم – بالنسبة لفرويد – نشاط نفسي ذو دلالة لا شعورية يكشف عن متاعب وصراعات نفسية يعانيها النائم تحت تأثير ميولاته ورغباته التي لم يستطع تحقيقها ، فيتم تحقيقها بطريقة وهمية، و رمزية في الحلم وأطرف حلم رواه فرويد في كتابه تفسير الأحلام ما روته إحدى مريضاته فقد رأت في منامها و هي في السنة الرابعة من عمرها حشدا من الأطفال الصغار ، جميعهم من إخوتها و أقاربها بنين و بنات يحبون فوق أرض حقل أخضر، و فجأة نبتت لهم أجنحة و طاروا جميعا أمام عينيها إلى أن اختفوا في الجو و هي تنظر إليهم..، وهو حلم يبدوا لأول وهلة و لا علاقة له بالموت، و لكن بعد الاستقصاء و التحليل علم فرويد أنها قبل ذلك الحلم كانت قد سمعت بوفاة طفل من أقاربها، فسألت ذويها ماذا يحدث للأطفال الذين يموتون ؟، فأخبروها أنهم يتحولون إلى ملائكة ذوي أجنحة و يطيرون بعيدا إلى السماء و بذلك اكتشف فرويد المضمون الحقيقي لحلم الطفلة الصغيرة فتحولُ جميع أقاربها و أصدقائها الصغار إلى ملائكة يطيرون و يختفون في السماء و تبقى هي وحدها معادل للقول بأنهم جميعا ماتوا و لم يبق على قيد الحياة سواها ؛ و هذا الحلم هو تحقيق لرغبة الحالمة الخفية في أن يموت كل الأطفال في الوسط الذي تعيش فيه و تنفرد هي بالإعزاز و رعاية والديها يقول فرويد: « غالبا ما تكون الأحلام في غاية العمق عندما تكون في غاية الجنون ».و مثال آخر يقول أن إحدى مريضات فرويد ذكرت أنها رأت في الحلم أنها تشتري من دكان كبير قبعة جميلة لونها أسود وثمنها غالي جدا فيكشف المحلل أن للمريضة في حياتها زوجا مسنا يزعج حياتها وتريد التخلص منه وهذا ما يرمز إليه سواد القبعة أي الحداد وهذا ما أظهر لفرويد أن لدى الزوجة رغبة مخفية في التخلص من زوجها الأول،وكذا أنها تعشق رجلا غنيا وجميلا وجمال القبعة يرمز لحاجتها للزينة لفتون المعشوق وثمنها الغالي يعني رغبة الفتاة في الغنى.يقول فرويد: « تفسير الأحلام هو الطريق الملكي لمعرفة أنشطة العقل اللاواعية« .

إضافة إلى حيلة أخرى هي: هفوات أو فلتات اللسان وزلات الأقلام: فالناس – في حياتهم اليومية – قد يقومون بأفعال مخالفة لنواياهم ومقاصدهم ، تظهر في شكل هفوات وزلات تصدر عن ألسنتهم وأقلامهم تغير المعنى بأكمله ، وهذه الهفوات والزلات لها دلالة نفسية لاشعورية كالنفور والكره والغيرة والحقد .. وليست كلها صادرة عن سهو أو غفلة كما يعتقد البعض إذ يروي فرويد عن رئيس برلمان النمسا أنه لما دخل القاعة قال: يشرفني أن أعلن عن رفع الجلسة بدل قوله: افتتاح الجلسة وهكذا يكون قد عبر لاشعوريا عن عدم ارتياحه لنتائج الجلسة. يقول فرويد : « يكتشف المرء الحقيقة الكاملة من خطأ لآخر »
النسيان: فقد تكون وراءه رغبات مكبوتة فنحن نميل إلى نسيان الأمور التي لا نرغب فيها و تجرح مشاعرنا حيث يروي فرويد عن نفسه انه نسي ذات يوم اسم مريضته لأنه عجز عن تشخيص مرضها و عندما ننسى إحضار شيء وعدنا به زميلنا فهذا ناتج عن كرهنا لانجاز الوعد. ومن أمثلة النسيان أن شخصا أحب فتاة ولكنها لم تبادله الحب وحدث أن تزوجت شخصا آخر،ورغم أن الشخص الخائب كان يعرف الزوج منذ أمد بعيد وكانت تربطهما رابطة العمل فكان كثيرا ما ينسى اسم زميله محاولا عبثا تذكره وكلما أراد مراسلته أخذ يسأل عن اسمه،وتبين لفرويد أن هذا الشخص الذي ينسى اسم صديقه يحمل في نفسه شيئا ضد زميله كرها أو غيرة ويود ألا يفكر فيه.
الإسقاط: فنحن نميل إلى توجيه و إسقاط الأفعال التي تثير فينا إحساسا بالذنب على الآخرين فالغشاش يرى جميع الناس غشاشين و الأناني يرى الجميع أنانيين فيصير المحظور مباحا بطريقة لاشعورية يقول فرويد :« لا يريد معظم الناس الحرية حقا، لأن الحرية تتطلب مسؤولية ومعظم الناس يخافون من المسؤولية ».
التقمص: عندما يرى الشخص ذاته غير مهمة في نظر الغير يلجأ لاشعوريا إلى تقمص شخصية ذات أثر فيقلدا في طريقة اللباس و حلاقة الشعر و الكلام و الحركات( الملامح الخارجية) حتى يجلب الاهتمام.
النكت: فالإنسان وهو يسخر و ينكت يكون قد تحلل من قيود آداب الحديث لذا تجد الرغبات المكبوتة منفذا للخروج كما تجعل النكتة الواقع الذي اعترض رغباتنا محل ضحك و سخرية، خاصة النكت ذات المواضيع الجنسية أو السياسية.
التعويض: ويكون نتيجة الشعور بالنقص الذي يدفع الفرد إلى التعويض في مجال آخر ، ومن أمثلة التعويض أن الفتاة قصيرة القامة قد تخفف من عقدتها النفسية بانتعالها أعلى النعال أو بميلها إلى الإكثار من مستحضرات التجميل حتى تلفت إليها الأنظار، أو تقوم ببعض الألعاب الرياضية أو بارتداء بعض الفساتين القصيرة .
التبرير: و الذي يستخدم لتفادي الصراع بين دافع ما و السلطة الأخلاقية ( الضمير) كأن يغادر فرد ما الحافلة دون دفع ثمن التذكرة ثم يبرر لنفسه بأنه كان واقفا طيلة المسافة بالتالي فصاحب الحافلة لا يستحق ماله. و الشخص الذي لم يتمكن من أخذ تذكرة لحضور مسرحية ما قد يلجأ لتبرير موقفه بإحصاء عيوب المسرحية.
النكوص: و هو رجوع الشخص الكبير سنا سلوكيا إلى الوراء كالشيخ الذي يلعب مع الصغار تحقيقا للرغبة ( و التي قد تكون طلب الرعاية و الحنان من أفراد أسرته)أو بحثا عن لذة.
*كما قسم فرويد الجهاز النفسي إلى ثلاث مستويات ينتج عن العلاقة بينها إما التوازن و إما الاختلال في الحياة النفسية وهي:
الهو: Le Soi : و يمثل جملة الغرائز و الرغبات البيولوجية التي تسير وفق مبدأ اللذة و يتصف بأنه لا يعترف بالأخلاق و المعايير الاجتماعية و المنطقية و يظهر الهو من خلال غريزتين هما غريزة الحياة و غريزة الموت( التدمير ) ،و يحدث بينهما تفاعل يكون مختلف الأنشطة النفسية في الحياة، و هما: الغريزة الجنسية( الليبيدو ) أو غريزة الحياة Libido:
فهي الأساس الذي بنى عليه فرويد نظريته؛ لكنه توسع فيها و لم يحصرها في وظيفة التناسل و إنما جعلها غريزة الحياة فهي تعني كل التنبيهات و النشاطات التي تنتج عنها لذة سواء كانت جنسية أو وجدانية أو حسية و كل الأعمال الايجابية و البناءة التي تؤدي إلى استمرار الحياة،يقول فرويد في هذا السياق « إن الفنان الذي يرسم لوحة فنية ليس إلا طريقة لا شعورية للتعبير عن غريزته الجنسية المكبوتة » و يقول أيضا : « إن الطاقة الغريزية التي يولد الطفل مزودا بها تمر بأدوار محددة بحياته؛ كما أن النضج البيولوجي هو الذي ينقل الطفل من مرحلة إلى أخرى، ولكن نوعوطبيعة المواقف التي يمر بها هي التي تحدد النتاج السيكولوجي لهذهالمراحل «.
إضافة إلى غريزة العدوان ( أو غريزة الموت ) التي تشمل كل مظاهر القسوة و الهدم و التحطيم و التهديم و الاضطهاد و الكره ضد الآخر سواء كان إنسانا أو حيوانا أو جمادا أو حتى ضد نفسه كما في الانتحار ، و تظهر أيضا من خلال اللوم المستمر و مشاعر الذنب و تعذيب الذات و يكفي أن نتأمل حالة الغضب و هو ينتقل من العدوان المكبوت إلى حالة إفناء النفس بتوجيه عدوانه إلى نفسه، فيلطم الغاضب نفسه و يجذب شعره و هي أعمال كان يفضل لو يوجهها إلى شخص آخر.و التي تظهر في السلوك التخريبي كما نجده عند الطفل الذي يكسر لعبه، يقول فرويد: « كل أشكال الحياة هدفها الموت »الأنا الأعلى Le Moi Supérieur: (Le Sur-Moi) : و يمثل القوة القمعية و النقدية التي تقف أمام متطلبات الهو اللامحدودة فيشمل الموانع و المحظورات الأخلاقية و القوانين العقابية و الذي يتكون من خلال التربية و سلطة الأبوين و العادات و القوانين الاجتماعية و المعتقدات الدينية( مثل يجب أن ...يجب ألا...) و بتعبير آخر هو جملة القيم الأخلاقية التي نتعلمها من المجتمع و يمثل سلطة الأبوين و الضمير وهو ذو طابع أخلاقي مكتسب يتسلط على الذات و يكبح الهو. يقول فرويد: « إن الطفل يتحرك بالغريزة، بيد أن هذه الغريزة لا تلبث أن تدخل في سن مبكرة في تناقض مع متطلبات الحياة »
الأنا Le Moi : تمثل الجانب الواقعي من الشخصية ( النفس) وهو ساحة الصراع بين مطالب الهو و موانع الأنا الأعلى و لذلك مهمة الأنا هي التوفيق بينهما ؛و إزالة الصراع لكنه في بعض الأحيان يضطر إلى كبت و رفض بعض مطالب الهو. كما تعتبر الأنا القوة المنظمة التي تحقق التوازن النفسي و التوافق بين الأنا الأعلى و الهو فيؤدي إلى الابتعاد عن الصراع و الأزمات النفسية و ذلك باستخدام مختلف الآليات الدفاعية التي تؤدي إلى تحقيق المطالب وفق أساليب مقبولة أخلاقيا و اجتماعيا أما المطالب المرفوضة فتشكل ما يسمى «الكبت »Le Refoulement، و الرغبة المكبوتة تستقر في اللاشعور و تبقى حية محتفظة بكل طاقتها و تؤثر باستمرار على الحياة النفسية و على السلوك.
و بفضل هذا التقسيم صار بالإمكان فهم أسباب الهستيريا التي حددها أطباء النفس اليوم في أسباب نفسية تنحصر في الصراع بين الغرائز والمعايير الاجتماعية، والصراع الشديد بين الأنا الأعلى و بين الهو (خاصة الدوافع الجنسية) بالتوفيق عن طريق العرض الهستيري، بسبب الإحباط وخيبة الأمل في تحقيق هدف أو مطلب، والفشل والإخفاق في الحب، والزواج غير المرغوب فيه ،والزواج غير السعيد، والغيرة، والحرمان ونقص العطف والانتباه وعدم الأمن، والأنانية والتمركز حول الذات بشكل طفلي.وعدم نضج الشخصية وعدم النضج الاجتماعي، وعدم القدرة على رسم خط الحياة، وأخطاء الرعاية الوالديـه مثل التدليل المفرط والحماية الزائدة .
النقد : صحيح أن اكتشاف اللاشعور ساهم في علاج الكثير من حالات الهستيريا و الاضطرابات النفسية كما تعتبر نظرية فرويد حول التحليل النفسي أول نظرية متكاملة في الشخصية ؛كما بين تأثير مرحلة الطفولة في نمو الشخصية وقد شاركه الكثير من الباحثين هذا الرأي؛ لكناللاشعور يبقى مجرد فرضية فلسفية لا ترتقي إلى مستوى النظرية العلمية فتجارب فرويد اقتصرت على المرضى فقط و لم تمتد إلى الأسوياء غير أن مدرسة التحليل النفسي جعلت اللاشعور حقيقة مؤكدة ، مما جعلها تحول مركز الثقل فيالحياة النفسية من الشعور إلى اللاشعور ، فقد أنكر فرويد حرية الشعور مع أن الشفاء من الاضطرابات العصابية اللاشعورية لا يتم إلا بالشعور، كما بالغ فرويد في جعل الإنسان تحت رحمة جملة من الغرائز أهمها الغريزة الجنسية و بالغ في اعتبارها المحرك الأساسي للإنسان فقد تعرض إلى كثير من الانتقادات حتى من أقرب الناس إليه فآراءه المتعصبة لجهة سيطرة اللاشعور على حياة الإنسان افقده خصوصية هامة ألا وهي الوعي والإدراك فجعله أسيرا لغرائزه ومكبوتاته ونفى عنه كذلك كل إرادة وحرية في الاختيار ، فابنته أنا فرويد Anna Freud ( 1895-1982م)وتلميذه ألفرد أدلر ( 1870-1937م) Alfred Adler كانا أكثر من انتقده في هذا الجانب ،كما رأت ابنته أنا Anna أيضا أن التداعي الحر لا يمكن تطبيقه عمليا مع الأطفال قبل سن البلوغ فذلك يؤثر على تحليل الأحلام وهو الطريق الثانية للنفاذ إلى اللاشعور فمع أن الطفل يحكي أحلامه بحرية إلا أنه لا يمكن أن يعلق عليها ليكشف عن مضمون الحلم الكامن ؛و كذلك من غير الممكن أن نقسر الطفل على أن يرقد على وسادة ليتداعى بحرية لأنه غالبا ما ينام و أيضا لقلة حيلته في التعبير عن نفسه لغويا؛ و لعدم نضجه و وعيه ثانيا . ومن الانتقادات الموجهة إلى فرويد أن الإنسان في الحقيقة مكرم و منزه عن بقية الكائنات بميزة العقل فربط الأمراض النفسية بالليبيدو يعتبر تشويها للإنسان إذ تم تصويره كحيوان يجري وراء شهواته و غرائزه و حين نتحدث عن اللبيدو أوالجنس فلامناص من ذكر فرويد فقد كان يوجه اهتمامه لهذه المسألة إلى درجة المبالغةوالشذوذ وكل ما كتبه يدور حول الغريزة الجنسية لأنه يجعلها مدار الحياة كلهاومنبع المشاعر البشرية بلا استثناء و يصل به الأمر إلى تقرير نظريته إلى حد أنيصبغ كل حركة من حركات الطفل الرضيع بصبغة الجنس الحادة المجنونة فالطفلأثناء رضاعته ـ كما يزعم هذا الأخير ـ يجد لذة جنسية ويلتصق بأمه بدافع الجنسوهو يمص إبهامه بنشوة جنسية،وقد جاء فيبروتوكولات حكماءصهيون: (يجب أن نعمل أن تنهار الأخلاق في كل مكان فتسهل سيطرتنا...إنفرويد منا وسيظل يعرض العلاقات الجنسية في ضوء الشمس كي لا يبقى في نظرالشباب شيء مقدس ويصبح همه رواء غرائزه الجنسية وعندئذ تنهار أخلاقه) فقد لحقت تهمة المادية بنظرية التحليل النفسي إذ ردت عالم القيم كله إلى عقد نفسية مرتبطة بالغرائز المكبوتة .لقد تجاهل فرويد عناصر كثيرة تؤثر في الشخصية كالعناصر الاجتماعية و العرقية و التاريخية و الثقافية بدليل ظهور فرضيات جديدة من طرف تلاميذه خاصة ألفرد أدلر الذي اختلف مع فرويد بالتأكيد أن القوة الدافعةفي حياة الإنسان هي الشعور بالنقص والتي تبدأ حالما يبدأ الطفل بفهم وجودالناس الآخرين والذين عندهم قدرة أحسن منه للعناية بأنفسهم والتكيف معبيئتهم . فمن اللحظة التي ينشأ الشعور بالنقص يبدأ الطفل يكافح للتغلب عليه، ولأن النقص لا يحتمل الآليات التعويضية التي تنشأ من النفس تظهرالاتجاهات العصابية الأنانية وإفراط التعويض وانسحاب من العالم الواقعي ومشاكله أما تلميذه الأخر عالم النفس السويسريكارل يونغ(1875-1961م)Carl Jungفيرى أن الليبيدو يؤثر على الطبع المنطوي و لا يقوى على المنبسط لاهتمامه بالعالم الخارجي و قال بوجود اللاشعور الاجتماعي. كما رفض الطبيب النمساوي ستيكال Stekelاللاشعور من خلال قوله: ( أنا لا أومن باللاشعور فلقد آمنت به في مرحلته الأولىولكن بعد تجربتي التي دامت ثلاثين عاما وجدت أن الأفكار المكبوتة إنما هي تحتشعورية وان المرضى دوما يخافون من رؤية الحقيقة).ومعنى هذا أن الأشياءالمكبوتة ليست في الواقع غامضة لدى المريض إطلاقا إنه يشعر بها ولكنه يميلإلى تجاهلها خشية إطلاعه على الحقيقة في مظهرها الخام كما هاجم جورجي لوكاس فرويد قائلا: « إن سيكولوجيا فرويد هي سيكولوجيا الرجل العاطل عن العمل و لهذا غلبت فيها الدوافع الجنسية »و قال طبيب الأعصاب الفرنسي هنري آي Henri ey (1977-1900)ساخرا من أسلوب التحليل النفسي الذي ابتكره فرويد: « إن المحلل النفسي كالبوم لا يرى إلا في الظلام ».
التركيب:إن الحياة النفسية كيان متشابك يتداخل فيه ما هو شعوري بما هو لاشعوري ، فالشعور يمكننا من فهم الجانب الواعي من الحياة النفسية ، واللاشعور يمكننا من فهم الجانب اللاواعي منها ، أي أن الإنسان يعيش حياة نفسية ذات جانبين : جانب شعوري وجانب لا شعوري ، وأن ما لا يستطيع الشعور تفسيره ، نستطيع تفسيره برده إلى اللاشعور.واعتبار الحياة النفسية يمثلها الشعور فقط فيه نوع من الإهمال لجانب مهم وهو اللاشعور ، وكذلك اعتبار الحياة النفسية يمثلها اللاشعور فقط فيه تقليل من قيمة الإنسان ككائن واع بكل خصائصه ، والرأي السليم هو أن الحياة النفسية عند الإنسان لا يمكن معرفتها وتفسيرها إلا بالإيمان بوجود الجانبين معا فهما يتكاملان لمعرفة حقيقة النفس الإنسانية وما يدور بداخلها وان كانت هذه المعرفة محدودة إلى حد ما .
الرأي الشخصي: لكن حسب رأيي الشخصي فان الحياة النفسية للإنسان هي حياة شعورية بالدرجة الأولى لأنه يعيش معظم لحظات حياته واعيا ولان من خصائص الشعور الديمومة، و الاتصال، لكن هناك جانب آخر لاشعوري له دور كبير في تنفيس الرغبات المكبوتة و لكلا الجانبين دور و أهمية في الحياة النفسية لكل منا.
حل المشكلة :وهكذا يتضح في الأخير، أن الإنسان يعيش حياة نفسية ذات جانبين : جانب شعوري يُمكِننا إدراكه والاطلاع عليه من خلال الشعور ، وجانب لاشعوري لا يمكن الكشف عنه إلا من خلال التحليل النفسي ، ومادام الشعور وحده غير كافٍ لمعرفة كل ما يجري في حياتنا النفسية ، فإنه يمكن أن نفهم عن طريق اللاشعور كل ما لا نفهمه عن طريق الشعور ، فالشعور يساعدنا على التكيف مع العالم الخارجي؛ و اللاشعور بمخزونه المتنوع يساعد على اكتشاف تاريخ الفرد بالتالي تقويم سلوكه، فبفضل اللاشعور مثلا تطور العلاج النفسي كما استثمر في مجال التربية حيث بين حساسية و أهمية مرحلة الطفولة و كيف أن التجارب القاسية التي يعيشها الطفل تكون سببا لما يعانيه و هو راشد؛ فالشاب الذي يصير لصا أو مجرمامثلا قد يكون السبب راجعا إلى العنف الذي تعرض له في أسرته؛ و هو طفل صغير، أو إلى العنف الذي تعرض له في المدرسة..

 فة ، والشعور قابل للمعرفة فهو موجود ، أما اللاشعور فهو غيرقابل للمعرفة ومن ثـمّ فهو غير موجود . إذن لا وجود لحياة نفسية لا نشعر بها ، فلا نستطيع أن نقول عنالإنسان السّوي انه يشعر ببعض الأحوال ولا يشعر بأخرى مادامت الديمومة والاستمرارية من خصائص الشعورأي لا وجود لفاعلية أخرى تحكم السلوك سوى فاعلية الوعي و الشعور و من ثمة فعلم النفس التقليدي على حد تعبير هنري آي Henri Ey(1900-1977 م)في كتابه " الوعي ": « و قد قام علم النفس التقليدي على المعقولية التامة هذه و على التطابق المطلق بين الموضوع (النفس) و العلم به (الشعور) و تضع دعواه الأساسية أن الشعور و الحياة النفسية مترادفان ».
ثـم إنالقول بوجود نشاط نفسي لا نشعر به معناه وجود اللاشعور ، وهذا يتناقض معحقيقة النفس القائمة على الشعور بها ، ولا يمكن الجمع بين النقيضين الشعورواللاشعـور في نفسٍ واحدة ، بحيث لا يمكن تصور عقل لا يعقل ونفس لا تشعر حيث يقول الفيلسوف الفرنسي مان دو بيران Maine De Biran (1766-1824): « لا توجد واقعة يمكن القول عنها أنها معلومة دون الشعور بها »، كما دعم نفس الاتجاه زعيم المذهب البراغماتي وليام جيمس في بداية حياته و الذي كتب يقول: « إن علم النفس هو وصف وتفسير للأحوال الشعورية من حيث هي كذلك »
لو كان اللاشعور موجودا في النفس لكانقابلا للملاحظة ، لكننا لا نستطيع ملاحظته داخليا عن طريق الشعور ، لأننا لانشعر به ، ولا ملاحظته خارجيا لأنه نفسي ، وما هو نفسي باطني وذاتي . وهذايعني أن اللاشعور غير موجود ( ليس قابلا للملاحظة و التجربة ) ، وما هو موجود نقيضه وهو الشعور لذلك قال آلان Alain:« إن الإنسان لا يستطيع أن يفكر دون أن يشعر بتفكيره » كما رفض جان بول سارتر القول بوجود عواطف لاشعورية لأن ذلك ضرب من الوهم و الخطأ و قال: « إن مفهوم اللاشعور النفسي هو مفهوم متناقض إذ لا توجد إلا طريقة واحدة للوجود و هي أن أعي أنني موجود» .

لقد تعززت فكرة الشعور كأساس للحوادث النفسية مع المدرسة الظواهرية، إذا أعطى إدموند هوسرل (1859-1938م) Edmund Husserlبعدا جديدا للمبدأ الديكارتي "أنا أفكر إذن أنا موجود" و حوله إلى مبدأ جديد سماه الكوجيتاتوم و نصه 


"أنا أفكر في شيء ما، فذاتي المفكرة إذن موجودة". و معناه أن الشعور لا يقوم بذاته و إنما يتجه بطبعه نحو موضوعاته. و 












السؤال :  يقول باكونين : الدولة مقبرة تدفن فيها مختلف مظاهر حرية الإنسان ".
              لو تبين لك أنها قضية خاطئة لتفند خطأ هذا القول .
(الاستقصاء بالوضع).
طرح المشكلة :
لقد كانت علاقة الأفراد قبل نشوء الدولة ، علاقة مضطربة يسودها قانون الغاب ، حيث يأكل القوي الضعيف ، ولكن نتيجة خسارة الكل تحت غطاء القانون الطبيعي والحرية المطلقة – حيث يعي الإنسان الحرية المطلقة بمقابل عدم ضمان حماية حقوقه -   تبلورت فكرة نشأة الدولة ، أي أن يتنازل الأفراد عن جزء من حقوقهم لسلطة معينة بمقابل تمحي وتصمن تلك السلطة أموالهم وحقوقهم وعرضهم فأصبحت الدولة هي التنظيم السياسي الوحيد الذي من خلاله تضبط علاقات الأفراد وتنظم ، لكن هناك من عارض فكرة وجود الدولة رغم أهميتها قالا عنها أنها مقبرة تدفن فيها مختلف مظاهر حرية الإنسان ، فهل هذا صحيح ؟ وكيف يمكن تفنيد أو إثبات ذلك ؟
محاولة حل المشكلة :
1/ تحليل الأطروحة:
منطق الأطروحة : ترى الفوضوية وهي مذهب سياسي يدعوا إلى إلغاء الدولة ورقابتها ، وإلى بناء العلاقات الإنسانية على أساس الحرية الفردية فالذين لا يعرفون بوجود الدولة يدعون إلى إلقاء عليها والعودة بالمجتمعات إلى الحالة الطبيعية الأولى التي كانت عليها الشعوب .
مسلمات الأطروحة : يعتقد الكثير من الفلاسفة بأن الدولة لا أهمية لها ويجب أن تزول أمثال كارل ماركس  الذي يقول : الدولة جهاز يجب أن يزول ، على أساس أنها جاءت لتقيد حرية الأفراد " وتضيق الخناق على أفعالهم باسم سلطة الدولة والقانون ، كما أنهم يعتقدون أن الدولة جاءت بها الطبقة البرجوازية لاستغلال الطبقة الدنيا من العمال والبسطاء ، لهذا يقول عنها كارل ماركس : " الدولة وجدت لاستغلال طبقة من لدن أخرى "
كما أن الكثير من الشعوب عانت ويلات السلطة التي استغلت الإمكانيات المتاحة لها لنهب الحريات وإعدامها ، وأيضا الدولة قيدت الكثير من التعاملات وأصبح الفرد لا يستطيع التصرف من إرادته المنفردة دون الرجوع إليها .
تفنيد الأطروحـــة 
إن الدولة كجهاز سياسي لا يمكن الاستغناء عنه فهو ضرورة أملتها الحتمية التاريخية للعوب ، فقبل وجود الدولة لم يكن للفرد أي حقوق أو حماية ، حيث يمكن قتله أو نهبه أو الاستلاء على أملاكه دون وجود من يحميه أو يدافع عن حقوقه ولهذا لا يمكن حديثا تصور وجود مجتمع دون الدولة وأجهزتها .
فالدولة تنظم العلاقات الاجتماعية وتضبطها بقواعد وقوانين لا يمكن تجاوزها لأجل هدف واحد هو صيانة الحقوق وحماية الأفراد ، والممتلكات كما أنها من الناحية الاقتصادية أصبح هناك بفل وجود الدولة تنظيم دقيق للعلاقات التجارية وحماية عالية للمؤسسات المالية والبنكية فقبل وجود الدولة لا يمكن لك أن تخفي نقودك أو تقرها أو تصرفها بشفافية  وبل حماية . إذن غياب الدولة وزوالها يعني غياب الحقوق والحماية من العلاقات الفردية والجماعية ، لهذا فالدولة تعتبر حتمية لابد منها .
نقد أنصار الأطروحـــــة :
- مواقف أنصار الأطروحة : فعلا الدولة وجدت للسيطرة والغلبة وجودها أدى إلى غياب وتضييق الحركات وغيابها يعني توسيع مجال الحرية أمام الأفراد والقضاء على كل مظاهر السيطرة والتعسف عليهم ، فالكثير من التجارب التاريخية للدولة أثبتت أن الدولة تساوي المصالح الفردية للأقوياء وأنها وسيلة من وسال الاستبعاد والاستغلال .
نقدهـــــم :
لكن في عصرنا اليوم أصبح من غير الممكن أن نسكك في قيمة وأهمية وجود السلطة والدولة لأن تطور الشعوب اليوم جاء نتيجة الاستقرار الذي عرفته بفل الدولة وأجهزتها ، فلا يمكن أبدا التشكيك في دور أجهزة الدولة وضبط علاقات الأفراد وتنظيمها فمن ك في ذلك فهو يرغب بالعودة بالشعوب إلى الحياة الهمجية حيث لا قانون ولا سلطة ، وحيث ما يكون الكل أحرار حرية غير مربوطة في ظل غياب الدولة يكون الكل لا يملك ضمان أمن وسلامة ممتلكاته وعره وأمواله .
حل المشكلة :

إذن الدولة كانت تكل خطرا عندما كانت أنظمة الحكم فاسدة ، فالخلل هناك في السياسة ومن يقودها لا في الدولة ككيان له ضوابط وأسس وقواعد يسير بها ، أما اليوم بتطور الشعوب وظهور مختلف القوانين التي تربط العلاقة بين الدولة وأفرادها جيدا وبعقلانية لم يصبح هناك حديث عن مدى أهمية الدولة ، ومن تحدث اليوم عن مجتمع دون دولة عد من المعتوهين الضالين عن جادة الصواب .


الإشكالية الثانية: الأخلاق الموضوعية والأخلاق النسبية
المشكلة الثالثة: العلاقات الأسرية والنظم الاقتصادية والسياسية

مقدمة : طرح المشكلة
       من الحقائق المسلم بها أن الإنسان، لا يعيش في تفاعل مع الطبيعة فقط بل يعيش في جماعة، فهو كما يقول الفلاسفة وعلماء الاجتماع كائن اجتماعي بطبعه، لا يستطيع أن يحفظ وجوده في الواقع إلا من خلال الآخرين، ومن ثم نجد الإطار الاجتماعي بمثابة المبرر المنطقي من وراء ظهور المؤسسات والتنظيمات الثلاثة الأساسية: الأسرة، الاقتصاد، والدولة. لذلك وعلى ضوء التحولات الراهنة الحاصلة فيها، يتعين علينا أن نتساءل: إذا كان التغير الذي يتغلغل حياتنا اليومية، قد أصبح أمرا واقعا، أليس من الحكمة إعادة قراءة مكتسباتنا القيمية والتراثية في مجال العلاقات الأسرية ونظمنا الاقتصادية والسياسية ؟
. كيف يمكن للأسرة أن ترتقي بمكتسبات وقيم التراث باتجاه معالجة مشكلاتها الجديدة ؟
أولا: الأسرة كيان اجتماعي متطور:
 إن الأسرة تساعد الفرد على الاندماج في المجتمع ليصير عضو فيه وفي الوقت نفسه عضوا في الأسرة، وإذا كانت الأسرة تعمل من أجل أن يبقى أفرادها على وفاء دائم لها في جميع أحوالها، فإن المجتمع لا يريد من الأسرة إلا أن تكون الحاضنة الأولى للأفراد تعدهم ليكونوا أفرادا في المجتمع وولاؤهم له.
1ـ الزواج أساس قيام الأسرة: لا تقوم الأسرة إلا على أساس الزواج، إذا كان المجتمع لا يتكون إلا من خلال أسر فإن الأسرة لا تقوم إلا على أساس الزواج، فهو اقتران بين رجل وامرأة لتكوين أسرة جديدة، وتختلف شروط عقده وفسخه والحقوق والواجبات المترتبة عليه باختلاف الجماعات، ومن ثم الزواج لا يكون إلا بين امرأة ورجل، وعليه هذه العلاقة قد تتعدد بينهما فتطرح أشكالا وأنماطا أساسية، فقد بدأ تطور الأسرة من حالة التنظيم المشاعي البدائي، ثم النظام الأميسي حيث السيطرة للأم، فالنظام الأبيسي حيث السيطرة للأب، وصولا إلى الصورة الحديثة للأسرة التي تقوم على الأحادية، وتتجلى الأسرة الأحادية من خلال زواج رجل واحد من امرأة واحدة وهي من الأشكال المفضلة في كثير من المجتمعات.
2 ـ من الأسرة الممتدة إلى الأسرة النواة: لقد كان سائدا نوع من العائلات والذي كان منتشرا في كثير من مناطق العالم يدعى بالأسرة الممتدة، وهي تتكون من الزوج والزوجة والأولاد الذكور والإناث غير المتزوجين والمتزوجين وأولادهم وغيرهم من الأقارب كالعم والعمة والأبناء، وهؤلاء جميعا يقيمون في نفس المسكن ويشتركون في حياة اقتصادية واجتماعية واحدة تحت رئاسة الأب، فهي تتركب من أكثر من جيلين: جيل الأجداد، وجيل الآباء، وجيل الأحفاد. ولكن التطورات السياسية والاقتصادية والثقافية لمجتمعاتنا الحالية أدت إلى انتشار الأسرة النواة التي تتكون من الزوجين وأبنائهما فقط، معنى هذا أنها تشمل جيلين: آباء وأبناء تربطهم علاقات اجتماعية واقتصادية وعاطفية وأخلاقية متبادلة.
ثانيا: مشكلاتها الوظيفية ( المواجهة والتكيف ):
إن الأسرة وإن وفرت الأمن الغذائي والملبس والمسكن للطفل، لكن تربيته بالمبالغة في مراقبة سلوكه تؤدي إلى شعوره بالملل والضيق، في مقابل ذلك يتجه الطفل إلى تحدي هذا الوضع بميله إلى إشباع رغباته بطريقة متخفية مع الاستعداد لتحمل ما يترتب عن ذلك من عقوبات، مما يدعونا إلى البحث في وظائفها ومشكلاتها:
1 ـ وظائف الأسرة:
أ ـ الوظيفة البيولوجية: فالأسرة هي المؤسسة الطبيعية، التي تساعد على إشباع الدوافع البيولوجية الغريزية، بمقتضى المعاشرة الزوجية المحددة شرعا وقانونا، والقائمة على أسس من التوافق والانسجام، وما يترتب عنها من عملية التناسل التي تحفظ بقاء النوع الإنساني واستمراره وترقيته وتنميته.
ب ـ الوظيفة الاجتماعية: تعتبر الأسرة الخلية الأولى التي منها يأخذ الأفراد المبادئ الاجتماعية، كاللغة، والدين، والعادات، والتقاليد، والأخلاق، وقواعد السلوك والآداب العامة... مما يسمح لهم بالانسجام والتعاون، وتبادل المصالح، والاشتراك في المصير ضمن بقية أفراد المجموعة التي يعيشون معها، كما تغرس فيهم معاني القيم والعلاقات، كحب الوالدين، الإخوة، الأقارب، الأصدقاء، الوطن...
ج ـ الوظيفة النفسية: الأسرة هي المؤسسة الأم في التغذية العاطفية والرعاية النفسية التي قوامها الرعاية والحنان والعطف والمحبة ... وهذه المعاني النفسية تشعر الأفراد بالراحة النفسية والاستقرار والتوازن، وتبعدهم عن الاضطراب والقلق والأزمات النفسية. وهذا يجعل من الأسرة مدرسة نفسية فعالة في إعداد الأفراد، وتزويدهم بالقدرة النفسية على التكيف والمواجهة في المستقبل.
د ـ الوظيفة الاقتصادية: إن لكل أسرة حاجاتها الأساسية كالمسكن والغذاء واللباس ووسائل الحياة الأخرى، وهي كلها حاجات ضرورية تقتضي مهمة اقتصادية من الأسرة، وجب السعي لتوفيرها لتحقيق الاستقرار لأفراد الأسرة، وإشباع مطالبهم، حتى لا يحدث التسيب والحاجة والفقر الذي يؤدي إلى الانحراف من بعض أفراد الأسرة.
2 ـ مشاكل الأسرة وتحدياتها:
لا يمكن حصر مشاكل الأسرة بدقة نتيجة تعددها وتنوعها، لكن ما نجزم به هو أن أكبر ما يتهدد الأسرة من الأمراض والمشاكل هو التفكك الأسري، واختلال الوحدة الأسرية وانحلالها، ومن أهم أسباب ذلك ؟
ـ الطلاق: الذي يعتبر إعلان بحل الأسرة وتصدعها وانهيارها، حيث يؤدي إلى تفكك أركان الأسرة  وما يترتب عن ذلك من آثار على أفرادها نفسيا وماديا وأخلاقيا.
ـ الظروف الاقتصادية: المستوى الاقتصادي للأسرة قد يكون من أهم العوامل الدافعة إلى تصدع الأسرة، وإحداث الصراع والتوتر داخلها، كضيق المسكن، الدخل الضعيف، الانشغال برفع المستوى الاقتصادي للأسرة والتغافل عن الواجبات الأسرية، خروج المرأة للعمل قصد المساعدة أو لإثبات ذاتها والتعبير عن حريتها، كل هذا يؤدي إلى ظهور الخلل في العلاقات الأسرية، وإضعاف الروابط بين أفراها.
ـ القيم الثقافية الجديدة: إن الأسرة بعاداتها وتقاليدها وقيمها التي تؤسس عليها نفسها، قد تكون عاجزة على تحقيق التكيف والتوافق مع متطلبات التغير الاجتماعي، وتحديات العولمة، والصراع الثقافي وما يحمله من اتجاهات ومفاهيم تؤثر بشدة على الأفراد والأطفال خصوصا وما ينتج عنهم من سلوكات وقيم فكرية تجعل من المتعذر على الأسر القيام بمهامها في توجيه أفرادها وضبط سلوكهم، وما ينتج عنه من صراع ولو خفي بين الآباء والأبناء.
وبناء على هذه المشاكل وغيرها نجد الأسرة أمام تحديات جديدة، بدايتها أن الأبناء ليسوا صورة طبق الأصل للآباء ولا لقيمهم واتجاهاتهم، مما يستدعي أن تكون العقلية الأسرية مرنة ومتكيفة مع مختلف الظروف والقيم والأفكار الجديدة لإحداث نوع من التوازن والانسجام بين التقاليد والقيم الأخلاقية، ومتطلبات العصر ومفاهيمه. من ناحية أخرى لا بد من تفعيل دور الأسرة وترقيتها كمؤسسة اجتماعية ناجعة تصون المجتمع وأخلاقه، وهذا يتطلب توعيتها وربطها وظيفيا مع المؤسسات التربوية والاجتماعية والثقافية، لتقوم بدورها القاعدي في الإعداد والتوجيه.
II. كيف يتأتى للعمل أن يرفع من شأن تلك المكتسبات والقيم في ضوء تحدي العولمة؟
أولا: من العمل إلى الاقتصاد ( المبادئ والنظم ):
1ـ  تطور المفهوم وإفرازاته الاقتصادية:
 ـ مفهوم العمل : العمل إحدى خصائص الإنسان الأساسية، منه يستمد قيمته الإنسانية، والاجتماعية، لأنه نشاط قصدي وهادف. وقد عرف أوجست كونت العمل على أنه: " التغيير النافع للمحيط من طرف الإنسان "
ومفهوم العمل تاريخيا نجده مفهوما متطورا بحسب طبيعة المجتمعات وقيمهم ونظرتهم إليه، فقد كان العمل الجسمي في القديم عنوان العبودية، فالمجتمع اليوناني مثلا وفلسفته خاصة مع أفلاطون وأرسطو اعتبرت العمل الجسمي بصفة عامة يحط من قيمة الإنسان، لهذا احتقرت العمل العضلي وجعلته خاصا بالعبيد، ولهذا كان الرق منتشرا في جميع الحضارات القديمة. ولما جاء الإسلام غير من النظرة إلى الشغل وأضفى عليه الجانب الإنساني الذي يحفظ كرامته ويصون قيمته، ومن ثم أصبح الشغل عبارة عن مجهود يقوم به الإنسان لإرضاء ربه ومجتمعه، وقد انفرد الإسلام بذلك دون سائر الديانات السماوية والوضعية الأخرى.
إن هذا التطور التاريخي الهام أفرز آثارا اقتصادية مما يستدعي الوقوف عند أبرزها:
ـ العمل أساس الثروة الإنتاجية.
ـ العمل أساس الملكية الفردية أو الجماعية.
ـ العمل أساس التعبير عن قيم المبادلة وتقسيم العمل والأدوار بين الأفراد.
إلا أن عمليات التملك ومبادلة الثروة الإنتاجية احتاجت إلى طريقة يتفق عليها تكون محكومة بمجموعة من الأفكار والقيم شكلت لاحقا مجمل النظم الاقتصادية المعروفة في العصر الحديث.
2 ـ النظم الاقتصادية وتوجهاتها:
 الاقتصاد الرأسمالي( الاقتصاد الحر ): إن هذا الاقتصاد يعود بالدرجة الأولى إلى الفيلسوف الاقتصادي الانجليزي    " آدم سميث " " 1723 ـ 1790 " حيث علل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية بتدخل الدولة في الحياة الاقتصادية. ومن هنا يكون الازدهار الاقتصادي ناتج عن الحرية الفردية، فحرية الملكية والاستغلال والاستهلاك من شأنها أن تخلق منافسة اقتصادية في المجتمع تنشط الأفراد وتبعث فيهم الحيوية وتدفعهم إلى التسابق نحو التفوق في العمل والإنتاج، وبالتالي إلى الإبداع، خاصة وأن الحياة الاقتصادية تسير حسب نظام طبيعي يتجاوز إرادة الإنسان، أي تتحكم فيها قوانين ثابتة مماثلة للقوانين التي تتحكم في الحياة الطبيعية، وما قانون العرض والطلب إلا دليل قاطع على ذلك، وهذا القانون لا ينطبق على البضاعة في السوق فحسب، بل ينطبق أيضا على مختلف القضايا الاجتماعية الأخرى كمشكلة العلاقة بين اليد العاملة والأجور.
الاقتصاد الاشتراكي: لقد أقام " كارل ماركس " " 1818 ـ 1883 " نظام الاقتصاد الاشتراكي على أسس مغايرة لأسس الاقتصاد الحر، حيث بناه على مبدأ الحرية الجماعية، ويظهر هذا المبدأ على الخصوص في تحويل الملكية الفردية إلى ملكية جماعية، وذلك عن طريق تأميم وسائل الإنتاج. والدولة في هذا النظام هي التي تأخذ زمام المبادرة في تنظيم الحياة الاقتصادية وتوجيهها. وهذا يعني أن الاقتصاد الاشتراكي يعتمد على التخطيط المركزي، وهو أسلوب في التنظيم يقوم على استخدام المواد على أفضل وجه ممكن لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والنمو المتوازن للاقتصاد. ولكن تأميم وسائل الإنتاج والتخطيط في نظرهم لا يكفيان وحدهما لتحقيق الازدهار الاقتصادي والرخاء المادي، بل لا بد أن يصحبهما تغيير في أساليب الإنتاج والإدارة في الوحدات الاقتصادية بحيث يسير الشغل وفقا لإرادة الطبقة العاملة، وهي الطبقة التي يعمل الاقتصاد الاشتراكي على تلبية حاجاتها الأساسية كالتغذية والسكن والصحة والتعليم... وهذا من شأنه أن يقضي على الفوارق الاقتصادية والاجتماعية، ويزيل كل مظاهر الاستغلال في المجتمع الاشتراكي، ولهذا كانت الغاية القصوى للاقتصاد الاشتراكي هي تحقيق العدالة الاجتماعية.
الاقتصاد الإسلامي: هو اقتصاد يستقي فلسفته وأركانه من مبادئ الشريعة الإسلامية وقيمه كوحي إلهي، ولهذا نجده ينطلق من قاعدة جوهرية عامة وهي أن المال مال الله، والأرض أرضه، والعباد عباده، وهم مستخلفون في أرضه وماله. وتتمثل مبادئ الاقتصاد الإسلامي في مبدأ الملكية المزدوجة فهو اقتصاد يعترف بحق الملكية للفرد والجماعة في آن واحد، وفق أساليب متوازنة تكفل مصلحتهما معا، ثم مبدأ الحرية الاقتصادية فالحرية والمنافسة في الاقتصاد الإسلامي مضمونة لكنها مشروطة ومضبوطة بحدود قيمية وأخلاقية، بالإضافة إلى مبدأ التكافل الاجتماعي كأساس لتحقيق العدالة الاجتماعية بطرق عملية وأخلاقية وذلك من خلال إقرار توازن اجتماعي والتقريب بين الطبقات اعتمادا على نظام الزكاة كوسيلة شرعية لتحقيق التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع. ومن هنا يبرز نموذج الاقتصاد الإسلامي الذي يفاعل بين الممارسة الاقتصادية والروح الأخلاقية، فهو اقتصاد واقعي في مبادئه وتطبيقاته، أخلاقي في أهدافه وغاياته.
نتيجة: في الواقع الاقتصادي، وبعد فشل الاقتصاد الاشتراكي في عقر داره، ريادة الاقتصاد الرأسمالي، كقطبية أحادية تفرض نفسها كنموذج عالمي، وتصدر فلسفتها على المستوى الإنساني، على شكل عولمة تنسج خيوطها القوى الكبرى، وتظهرها كضرورة لازمة، وكأمر واقع لا بد منه، فكيف نرتقي بقيم العمل أمام تحديات العولمة ؟
ثانيا: قيم العمل وتحديات العولمة:
1 ـ قيم العمل في أبعاده الإنسانية: إن العمل هو إحدى خصائص الإنسان، منه يستمد قيمته الإنسانية والاجتماعية، وهو باعتباره نشاطا إنسانيا لا يقتصر على مجرد  تلبية الحاجات البيولوجية والمواد الضرورية لحياة الإنسان، بل يسمو بإنسانية الإنسان إلى مستوى التحرر من مجال الضرورة بأوسع معانيها، والتمكين للسيطرة على الطبيعة، وتغيير وجه العالم، والسعي للتحكم في معظم ظواهره، ومن ثمة إثبات ذاته وفعالية شخصيته. كما أن الإنسان يهدف بالعمل إلى أن يتحرر من العوائق الذاتية، والتخلص من الأنانية، ويسخره وسيلة لإبعاد القلق والرذيلة والحاجة.
ولكن كيف تستمر قيم العمل هذه أمام تحديات العولمة ومخاطرها؟
2 ـ تحديات العولمة ومشاكلها: إن العولمة كإستراتيجية تنموية جديدة، بجهاز قيادي جماعي للعالم، من طرف مصالح اقتصادية قوية عابرة للأمم وفوق الدول، هدفها السيطرة على العالم وجعله قرية كونية تحكمها لغة المال والأعمال والربح والاستغلال، كسوق عالمية كبرى مفتوحة ومتحررة وعابرة لكل الحدود، وما يترتب عن كل هذا هو إضعاف السيادة الوطنية للدول الضعيفة، والهيمنة الاقتصادية، وتهديد استقرار المجتمعات وقيمها. وعليه كان لابد من التفكير في إمكانية التعايش مع كيان العولمة كأمر واقع، والعمل على التصدي لأخطارها وذلك من خلال  عمل كل أمة على وعي رصيدها الحضاري، وبناء رؤية إستراتيجية لأهدافها التربوية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية،
بالإضافة إلى تفعيل قيمة العمل والاجتهاد في بناء اقتصاد قوي، قادر على المنافسة والتحدي، وكذلك بناء استقرار سياسي وسلم اجتماعي في إطار وحدة وطنية ترفض الانهزام والاستسلام أمام الضغوط الخارجية.
كل هذا لا تتحقق ثماره عمليا إلا من خلال وعي قيمة العمل وبناء اقتصاد ناجح، وسياسة دولة تعي كيانها الحضاري وتعايش تحولات العصر.

III.هل بوسع الدولة أن تراهن على تفعيل تراثها القيمي بما يواكب تحولات العصر؟
1 ـ مفهوم الدولة: هي تجمع بشري يقطن بقعة جغرافية معينة بصفة دائمة ويخضع لنظام سياسي معين  كما أنه يتمتع بالسيادة الداخلية والخارجية.
2 ـ الأركان القانونية الأربعة للدولة:
 أ ـ التجمع البشري ( الشعب ) : المقصود بالتجمع البشري سكان الدولة أي المجموعة البشرية التي تعيش تحت سلطة الدولة ، وغالبا ما تكون هذه المجموعة ذات صفات مشتركة تربط بينهم وتساعد على تحقيق وحدتهم .
 ب ـ بقعة جغرافية ( الإقليم أو الأرض ) : لكل دولة إقليم جغرافي تمارس عليه سلطتها ونفوذها دون منازع ، ولا شك أن للإقليم الجغرافي دورا في تحديد الظروف الاقتصادية للدولة ورسم سياستها الخارجية .
 ج ـ النظام السياسي ( السلطة ) : إن قيام الدولة يفترض وجود سلطة عليا يخضع لها كل الأفراد والجماعات المكونة للدولة وهي تستند إلى هذه السلطة في وضع القوانين وفرض إلزاميتها على الجميع.
 د ـ السيادة ( الاستقلال ) : السيادة صفة من صفات الدولة ولها وجهان : سيادة داخلية تتمثل في إصدار الأوامر لجميع الأفراد ، وسيادة خارجية تظهر في حق تمثيل الدولة والتصرف باسمها مع  جميع الدول الأخرى، فالسيادة تعبر عن استقلال الدولة.
3 ـ وظيفة الدولة:
أ ـ حماية القيم الفردية والدفاع عنها: وظيفة الدولة أولا وقبل كل شيء هي مساعدة الفرد وتحسين ظروفه المتعلقة بالخدمة الاجتماعية والمصلحة العامة، والحفاظ على حياة الأشخاص وممتلكاتهم وحرياتهم، والسعي للتوفيق بين المصالح المتعارضة للمواطنين.
ب ـ غاية الدولة رعاية الصالح العام: الدولة في جوهرها هي دولة الشعب، لذلك من واجبها العمل على خدمته، وأن تسعى دوما وإيجابا لتحسين ظروف الحياة الاجتماعية ليأمن الناس على أرواحهم وأغراضهم ومعاشهم، ويمكن تحديد وظائف الرعاية فيما يلي:   
 ـ الرعاية الاقتصادية: تعتبر المطالب المعيشية  وطرق الحصول عليها، من أهم الدوافع وأقواها في حياة الإنسان والمجتمع، من هنا كان على الدولة كسلطة ذات سيادة، العمل على رعاية وخدمة الصالح العام اقتصاديا وتأمينه من الجوع، وذلك من خلال توفير ما من شأنه إشباع حاجاتهم الأساسية، وضمان الرعاية الصحية والتربية، والتعليم والترفيه والرياضة والسكن. 
ـ الرعاية السياسية: وتتمثل في الهيمنة التي تطالب بها وتمارسها الدولة على مجموع أعضائها، وذلك من مقتضيات السيادة التي هي مقوم من مقومات الدولة، ومن الوظيفة السياسية أيضا التشريع للمجتمع، وحمايته من الأخطار الداخلية والخارجية، ويلزم من هذا اضطلاع الدولة بتشريع الحقوق وحمايتها.
4 ـ أنظمة الحكم وأسس السلطة: إن علاقة الدولة بالمجتمع تأخذ صورا مختلفة وذلك باختلاف أنظمة الحكم وصور المشروعية فيها، وتتمثل هذه الأنظمة في :
أ ـ نظام الحكم الفردي : وهو نظام يقوم على أساس السياسة الفردية للحاكم، فالحاكم هو صاحب السيادة، لا يخضع للقانون، لان سلطته وإرادته هي القانون. ومن أهم صور هذا الحكم الفردي:
ـ الحكم الملكي: ويستند في وجوده واستمراره إلى قانون الوراثة الذي يضمن للأسرة بقاء سلطة الحكم داخلها.
ـ الحكم الاستبدادي: وهو الذي ينفرد فيه الحاكم بالسلطة ويصبح هو القانون،لا يؤمن بالمشاركة ولا يقبل بالمعارضة.
ـ الحكم التيوقراطي (الديني): وهو الذي يقوم على أساس أن الحاكم مفوض عن الله، ومعبر عن إرادته في الأرض، لهذا فالحاكم إرادته وأوامره مقدسة وجب طاعتها.
ب ـ نظام الحكم الجماعي أو ( الديمقراطي ) :الحكم الجماعي كل نظام سياسي يعتبر إرادة الشعب مصدرا لسلطة الحكام، فهو بذلك حكم ديمقراطي، والديمقراطية DEMOCRACY من الناحية الاشتقاقية هي كلمة يونانية الأصل تتكون من لفظين هما : ديموس Demos ) أي الشعب و كراتوس Kratos ) أي السلطة أو الحكومة ومعناه سلطة الشعب أو حكم الشعبوبالتالي فالديمقراطية تعني سيادة الشعب وتقرير مصيره بإرادته، وحكم نفسه بنفسه
والديمقراطية كحكم جماعي لها جذور تاريخية عميقة، كما أنها لا تتحقق في الواقع على صورة واحدة، بل هي أشكال فقد عبر عنها اليونانيون القدامى في شكل:
ـ الديمقراطية المباشرة: والتي جسدتها دولة المدينة في اليونان ( أثينا ) ، ( أسبرطة )... وهي تدل على المساواة بين جميع المواطنين، وإعطاء السيادة لهم ، في أخذ القرارات. غير أن هذا الشكل من الديمقراطية صار من المستحيل تطبيقه، وذلك للكثافة السكانية التي يستحيل أن تجمع كلها في مكان واحد.
ـ الديمقراطية التمثيلية ( النيابية ): بحيث يختار الشعب من يمثله وينوب عنه في ممارسة الحكم، والتعبير عن رأيه بالقبول أو المعارضة في إطار قانوني شرعي.
ـ الديمقراطية الليبيرالية: وهي تقوم على مبدأ الديمقراطية السياسية التي تهدف إلى تحقيق حرية الأفراد في المجتمع بشتى الوسائل كتعدد الأحزاب والجمعيات وحرية الصحافة والعبادات وغيرها ، وهذا يعني أنها تمجد حرية الفرد وتمنحه فرصا كثيرة لكي يعبر عن آرائه ومعتقداته فهو حر في أن يملك ما يشاء من الثروة ويستطيع أن يضاعفها وحر كذلك في تصرفاته وأعماله الخاصّة وهو في النهاية مسؤول عن نتائج أعماله.
ـ الديمقراطية الاشتراكية: وهي تقوم على مبدأ الديمقراطية الاجتماعية التي ترمي إلى تحقيق العدالة الاجتماعية بدلا من الحرية السياسية ، وذلك عن طريق تكافؤ الفرص ومحو الفوارق الطبقية بين الناس وإزالة الفقر والبؤس عن الطبقة العاملة التي هي مصدر الإنتاج والثروة في المجتمع.
5 ـ الديمقراطية بين القيم العالمية والخصوصيات المحلية: إن الحديث عن الديمقراطية هو حديث عن مبادئها التي تدعو إليها كاحترام الإرادة الشعبية، وإقرار الحريات، وتثبيت العدل والمساواة، لكن ما يدعو إلى التساؤل: هل الديمقراطية لباس على مقاس الجميع يمكن تعميمه أم أنها تقتضي شروطا اجتماعية وسياسية لازمة وبيئة ثقافية وفكرية تؤسس لها؟ إن لكل أمة هويتها وذاتيتها المتميزة، وخصوصياتها المحلية التي تطبعها، مما يحتم على كل أمة أن تختار النموذج السياسي المنسجم معها والمتوافق مع تركيبتها الفكرية والاجتماعية والاقتصادية، لكن صارت الدول العظمى راعية الديمقراطية تصدر هذا النظام الديمقراطي للجميع بدعوى حقوق الإنسان، واحترام الحريات، وهذا ما جعلها تتدخل في شؤون الدول وخصوصيات الأمم، مما يجعل من الديمقراطية وكأنها إيديولوجيا مفروضة، وهذا ما يؤدي إلى ردود أفعال عكسية توقع في أزمات سياسية وأخلاقية، وانتهاك لسيادة الدول واستقلالها. لهذا من الحكمة قبل الحديث عن الديمقراطية وتطبيقها، تهيئة المناخ المناسب، وذلك بإعداد الإنسان الذي يؤمن بها ويشعر بحقيقتها كحرية وكاستقلال وككرامة يعبر بها عن ذاته، وهذا لا يكون إلا إذا عملت الدولة على تفعيل رصيدها من القيم وتحريك تراثها المعبر عن حقيقة الذات  الحضارية، ثم الانفتاح بإيجابية على التجارب الإنسانية الرائدة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والاستفادة منها.

خاتمة: حل المشكلة
العلاقات الإنسانية باختلاف مستوياتها مشروطة بالقيم، سواء على مستوى العلاقات الأسرية أو مجال العمل والأنظمة الاقتصادية، أو كيان الدولة والأنظمة السياسية، لهذا كان على كل أمة تسعى للحفاظ على كيانها واستمرار وجودها، الاهتمام بقيمها وإعادة الاعتبار لها وتفعيلها في حياة أفرادها على أسس متوازنة تمكن من التكيف والتأقلم مع مقتضيات العصر، لكن مع الحفاظ على الذات.





الموضوع : تحليل مقال فلسفي
نص المقال : هل غاية الديمقراطية الحرية أو إقامة المساواة ؟
الطريقة: جدلية

المقدمة : يحتل مفهوم السلطة الصدارة في الصراعات السياسية وكذلك في الفكر السياسي والفلسفي , نظرا لما لها من أهمية كبرى في تحديد مصير الشعوب, ولقد أخذت السلطة السياسية منذ بروزها في المجتمعات الأولى أشكالا مختلفة، و وهذا ما دفع بالمفكرين والفلاسفة إلى الاهتمام والتفكير في أنواع الأنظمة وفي أحسن نظام منها . ولقد حظي النظام الديمقراطي بالاهتمام الأوفر خاصة في العصر الحالي , لكن يبقى الإشكال المطروح : هل غاية الديمقراطية الحرية أو إقامة المساواة ؟

التحليل :
    الرأي الأول : ( الموقف القائل أن الحرية هي الغاية الأساسية للديمقراطية )
  يعتقد الاتجاه الليبرالي في الحرية كغاية أساسية للديمقراطية، إذ أن هذه الأخيرة نظام يضمن الحريات المختلفة , إذ للمواطن الحق في الترشح للانتخابات رئاسية كانت أو نيابية أو محلية , وهي نظام يعطي الفرص لجميع المواطنين دون استثناء لممارسة حقوقهم السياسية , فالمواطن حر في اختيار ممثليه في تسيير شؤون الدولة عن طريق الانتخابات . كما يقوم هذا النظام على التعددية الحزبية أي وجود أحزاب معارضة، ووجود هذه الأخيرة إلى جانب حرية الصحافة يضمن الشفافية والوضوح في تسيير شؤون البلاد، كما يضمن التنافس الحر في جميع المجالات دفع عجلة التطور الاقتصادي والاجتماعي.
مناقشة: غير أن ملاحظة الواقع لا تؤكد هذه الادعاءات، إذ لم نرى شعبا يحكم نفسه وحتى في المجتمع اليوناني فالديمقراطية عندهم لم تكن تعني كل أ فراد الشعب فالعبيد والغرباء والنساء لا يسمح لهم بالمشاركة في الحياة السياسية، ومن الملاحظ كذلك في المجتمعات الغربية اليوم أن العدد الكبير من الشعب لا تتوفر فيهم شروط ممارسة الديمقراطية، ذلك لأن الحرية الاقتصادية أدت إلى عدم توازن في الدخل , لأن الفرد الفقير  في الدولة الديمقراطية  لا يستطيع أن يتمتع بحقوقه السياسية التي أعطيت له لأنه لا يمتلك حق الدعاية و الإشهار في الحملات الانتخابية.
الرأي الثاني : ( الموقف القائل أن المساواة  هي الغاية الأساسية للديمقراطية )
يرى الاتجاه الاشتراكي أن المساواة  هي الغاية الأساسية للديمقراطية، وأن الديمقراطية الحقة لا تتمثل في التعددية الحزبية والتناوب على السلطة, بل هي مبدأ لتحسين الوضع الاجتماعي لكل أبناء المجتمع  الواحد بالتساوي , حيث تسهر الدولة على توزيع ثروات البلاد على الشعب توزيعا عادلا, وبما يسمح للمواطن الحصول على حقه في التعلم والعلاج والعمل... ويعتمد النظام  السياسي الاشتراكي سياسة التسيير الأحادية أي سياسة الحزب الواحد . وحق المعارضة مكفول في إطار الرؤية الجماعية للشعب، ويتم تجديد هياكل الحزب عن طريق المؤتمر العام للحزب في


جلسات أحيانا عادية وأحيانا استثنائية، كما يتولى الحزب تزكية شخص ويقدمه للشعب من أجل انتخابه كرئيس للدولة، كما يتولى الحزب توزيع المناصب الحساسة في الدولة للإطارات النشطة في الحزب، وهو من يتولى عزلهم 
أو ترقيتهم، كما يتولى التشريع على غرار التسيير، ويمارس كل السلطات ويسهر كل من الرئيس والجيش والإدارة على تنفيذ توجيهات الحزب وتعليماته باعتباره يمارس الحكم باسم الشعب فهو صاحب السيادة.
مناقشة: أما الديمقراطية الاجتماعية فقد أدت هي الأخرى إلى التعسف الدكتاتورية ذلك أن هذا النظام يحكم باسم الحزب والمعارضة السياسية في ظل هذا النظام مرفوضة إن وجدت تقمع في الداخل وتكون في الخارج . 
التركيب :
 يعتقد البعض من المفكرين  أن كل دعوة إلى الحرية في الديمقراطية السياسية تتضمن شكلا من إشكال المساواة , وكل دعوة إلى المساواة في الديمقراطية الاجتماعية تستلزم نوعا من التحرر وفي هذا قال ( لاكومب ) :           " ... فالحرية التي تطالب بها الديمقراطية السياسية هي حرية الجميع, وليست حرية البعض, الأمر الذي يفترض وجود شكل من  أشكال المساواة بين الناس ...و أن كل تقدم نحو المساواة في الديمقراطيـة الاجتماعـية , باعتبارها إلغاء لبعض الامتيازات، يحرر من ألم هذه الامتيازات بالنسبة للذي يعاني من وطأتها القياسية , لا بل إن لفكرة الحرية وفكرة المساواة منبعا واحدا من وجهة النظر المذهبية , فكلاهما ينحدر من أخلاق تتأسس على قيمة الشخص الإنساني ".

الخاتمة : نستنتج من خلال ماسبق أن الديمقراطية من أهم و أكثر النظم السياسية تطبيقا في الواقع، وذلك بالنظر إلى الأسس التي تقوم عليها. كما أن الاختلاف حول الغاية من الديمقراطية هو اختلاف مذهبي لا يلبث أن يزول إذا ما ارتكزت الديمقراطية على الحرية كأساس لها واتخذت من تحقيق العدالة الاجتماعية بين الأفراد كغاية لها .



                               مقالة جدلية حول الديمقراطية:
نص السؤال:  الديمقراطية الاجتماعية: هل يمكن تحقيق الاستقرار في ظل الديمقراطية الاجتماعية؟
طرح المشكلة : وصف الفلاسفة الإنسان منذ القديم بأنه كائن مدني بطبعه فحياته لا تقوم و لا تستمر إلا في ظل وجود سلطة تحكمه حتى أن أرسطو اعتبر الدولة من الأمور الطبيعية و الواقع أن استقرار التاريخ يجعلنا نميز بين نظاميننظام حكم فردي يعتمد على الفصل بين السلطات و آخر جماعي يدافع عن الديمقراطية فإذا علمنا أم المذهب الليبرالي يتبنى الديمقراطية السياسية و أن الاشتراكية تؤمن بفكرة المساواة الاجتماعية فالمشكلة المطروحة *هل تستطيع الديمقراطية السياسية تحقيق الاستقرار السياسي؟ أم أنه لا يمكن تصور الديمقراطية إلا في ظل المساواة الاجتماعية؟
محاولة حل المشكلة 
عرض الأطروحة الأولى: ربط أنصار المذهب الليبرالي بين الديمقراطية و فكرة الحريات الفردية و هذا المذهب هو نظرية في السياسة و الاقتصاد كما ذهب إلى ذلك ماكس فيبر و أصحابها ينظرون إلى العمل السياسي من زاوية المشاركة السياسية و حق المعارضة و هذا ما عبر عنه هنري مشال بقوله (الغاية الأولى للديمقراطية هي الحرية) و من الناحية الفلسفية ترتبط الديمقراطية السياسية بفلسفة التنوير تلك الفلسفة التي رفعت شعار (لا سلطة على العقل إلا العقل) و تجسدت هذه الفكرة بوضوح في فلسفة هيغل الذي قال:(الدولة الحقيقية هي التي تصل فيها الحرية إلى أعلى مراتبها ) و القصد من ذلك أن جوهر الديمقراطية قائم على حرية إبداء الرأي و احترام الرأي المخالف وواجب السلطة هو حماية الحريات المختلفة ( السياسة و الاقتصادية و الاجتماعية و الفكريةو في هذا السياق تظهر أفكار سبينوز الرافضة لفكرة التخويف التي تعتمد عليها الأنظمة الاستبدادية و هو يرى أن السلطة الحقيقية هي التي تحمي حرية الفكر و تضمن المشاركة السياسية للأفراد و من الناحية التاريخية تعتبر الثورة الفرنسية 1789 في نظر رجال الفكر و التاريخ أكثر الثورات التي حملت لواء الديمقراطية السياسية و خاصة دفاعها عن المساواة السياسية كما ذهب جفرسون في صياغته للدستور الأمريكي إلى المطالبة الحكومات الديمقراطية بحماية حق الأفراد في الحياة و التفكير و يمكن القول أن الديمقراطية السياسية تتميز بجملة من الخصائص أهمها :حرية الصحافة بجميع أشكالها و كذا تبني خيار التعددية الحزبية و الحق في المعارضة السياسية ،و ترقية و حماية الحريات الفردية المختلفة و الدفاع عن حقوق المرأة و الطفل باعتبار الإنجاب الوسيلة الوحيدة للوصول إلى السلطة أو البقاء فيها كل هذه المبادئ، اختصرها كليسون في مقولته: إن فكرة الحرية هي التي تحتل الصدارة في الايديولوجيا الديمقراطية و ليست المساواة.النقد: إن فكرة الحرية السياسية التي دافع عنها المذهب الليبرالي محدودة ما دامت السلطة السياسية في أيدي أصحاب النفوذ المالي و الإعلامي.عرض نقيض الأطروحة: ذهب أنصار مذهب الاشتراكية إلى اعتبار المساواة الاجتماعية أساس الديمقراطية، و هذا المذهب ظهر كرد فعل ضد التطرف الإديولوجيا الليبرالية و في هذا المعنى قال فريدريك  أنجلر:( الاشتراكية ظهرت نتيجة صرخة الألم و معاناة الإنسان ) و ذلك أن الديمقراطية السياسية لم تنجح في خلق عدالة إجتماعية و بدل الدفاع عن المساواة بين الأفراد جسدت الطبقية في أوضح صورها بين من يملك و الذي لا يملك مما دفع أناتول فرانس إلى القول : الذين ينتجون الأشياء الضرورية للحياة يفتقدنها و هي تكثر عند اللذين لا ينتجونها ) و من هذا المنطلق رفع كارل ماركس شعارا(يا عمال العالم اتحدوا) و ما يمكن قوله أن الديمقراطية الاجتماعية التي دافع عنها أنصار هذه الأطروحة ترمي إلى ربط بين العمل السياسي و العدالة الاجتماعية، يمكن القول أن الديمقراطية الاجتماعية التي دافع عنها أنصار الأطروحة ترمي إلى الربط بين العمل السياسي و العدالة الاجتماعية و من أجل تحقيق هذا الهدف اعتمدت على مجموعة من المبادئ أهمها الاعتماد على سياسة الحزب الواحد و هذا الحزب يلعب دور الموجه و المراقب و مهمته الأساسية خلق الوحدة الوطنية من خلال تركيز جميع الجهود في مسار واحد بدل تشتيت القوي كما هو حاصل في الديمقراطية السياسية و من المنطلق أن الاشتراكية خيارا لا رجعة فيه (يسمح بوجود معارضة سياسية ) بل كل ما يعارض فكرة الديمقراطية الاشتراكية يصنف في خانة أعداء الثورة. إن جوهر العمل السياسي هو خدمة الجماهير و إزالة الفوارق الطبقية من خلال إلغاء الملكية الفردية و تجسيد فكرة التملك الجماعي فالديمقراطية الاجتماعية تهدف إلى ضرورة الانتقال من المرحلة الاشتراكية إلى المرحلة الشيوعية التي تتجسد فيها المساواة الكاملة و في هذا المعنى قال لينين في بيان الحزب الشيوعي (الاشتراكية نظام لا طبقي له شكل واحد الملكية العامة لوسائل الإنتاج و المساواة الاجتماعية الكاملة بين الأفراد و ملخص الأطروحة أن الديمقراطية الاجتماعية ترى أن المساواة الاجتماعية هي التي يجب أن تحتل الصدارة في العمل السياسي و ليست فكرة الحرية.النقد: ما يعاب على الديمقراطية الاشتراكية الفصل بين النظرية و التطبيق فبدل تحقيق المساواة و العدالة الاجتماعية تحول العمل السياسي إلى خدمة أفراد الحزب الواحد مما عجل سقوط الأنظمة الاشتراكية.التركيب: ذهب لاكومب في تحليله لمسألة الديمقراطية أنها تتضمن الحرية و المساواة لأن الحرية التي تطالب بها الديمقراطية هي حرية الجميع دون استثناء فالمسألة هنا يجب النظر إليها من زاوية الكيف و ليس الكم و هذا ما أكد عليه مبدأ الشورى في الإسلام و الذي جاء القرآن الكريم بصيغة الأمر قال تعالى: (وشاورهم في الأمر) فالشورى تشترط الحوار و الحوار يدل على الحرية (و أمرهم شورى بينهم) و من الناحية التاريخية تضمن مفهوم الديمقراطية منذ نشأته مفهوم المساواة و الحرية قال بريكليس (إن السلطة عندنا ليست مسيرة لصالح الأقلية بل هي لصالح الجماهير و منه أخذ نظامنا اسم الديمقراطية .حل المشكلة : و مجمل القول أن الديمقراطية من حيث الاشتقاق اللغوي تتضمن فكرة الإرادة الجماعية لأنها حكم الشعب نفسه بنفسه فهي تتضمن مفهوم الرضا و القبول لأن السلطة الحاكمة تمارس وظيفتها باسم الشعب غير أن هذا المفهوم يتضمن إشكالية فلسفية حول الأساس الذي يجب أن تبنى عليه الممارسة الديمقراطية هل هو الحرية أم المساواة و من ثمة كانت هذه الإشكالية جدلية في المقام الأول و هي تعبر عن التضارب الفكري بين الإديولوجيا الليبرالية و الاشتراكية غير أنه من خلال التحليل الفلسفي الذي قمنا به توصلنا إلى هذا الاستنتاج: الديمقراطية الحقيقية هي التي تأسس على منطق المساواة و الحرية معا .



الموضوع : مقال فلسفي
نص المقال(( إن الديمقراطية هي أفضل الأنظمة السياسية )) دافع عن هذه الأطروحة.
الطريقة : استقصاء بالوضع
طرح المشكلةمما لاشك فيه أن الإنسان لا يمكن أن يعيش منعزلا ، بل لابد أن ينشأ مع الآخرين ، غير أن الوجود مع الآخرين يستلزم وجود علاقات معهم ، وعلى هذا فقد وضع الإنسان قواعد تحدد كيفية التعامل والتعايش وحدد الحقوق والواجبات   بعبارة أخرى وضع نظاما يحدد هذه العلاقات ويبين طريقة استعمالها ويتمثل هذا النظام في الدولة، والدولة كالأسرة تحتاج إلى تنظيم وضبط وقواعد تحكمها، وسلطة تشرف على شؤونها حتى تستقر وتضمن استمرارها وتحافظ على مكانتها، وتصون كيانها ووجودها، لهذا أوجدت أنظمة حكم كثيرة لأجل تسيير وتنظيم الدولة تحت غطاء السلطة التي تعد الجهة الرسمية التي تمثل وجود الدولة وتثبت كيانها، ومن هذه الأنظمة نجد النظام الديمقراطي، والتساؤل المطروح: كيف يتسنى لنا الدفاع عن الأطروحة القائلة أن النظام الديمقراطي يعتبر من أفضل الأنظمة السياسية  ؟وما هي الحجج والأدلة التي تثبت صدق ذلك ؟
محاولة حل المشكلة:
    عرض منطق الأطروحةالنظام الديمقراطي هو كل نظام سياسي يعتبر إرادة الشعب مصدرا لسلطة الحكام،  والديمقراطية DEMOCRACY  من الناحية الاشتقاقية هي كلمة يونانية الأصل تتكون من لفظين هما : ديموس  ( Demos ) أي الشعب و كراتوس ( Kratos ) أي السلطة أو الحكومة ومعناها سلطة الشعب أو حكم الشعب.  والديمقراطية تعد من أصعب الأنظمة تحقيقا، حيث قال الفيلسوف الفرنسي " مونتيسكيو" :  (( الديمقراطية أصعب النظم تحقيقا لأنها تتطلب وجود الفضيلة التي هي شعور بمسؤولية كل واحد أمام الجميع ))، فالديمقراطية هي أصعب الأنظمة السياسية تحقيقا، وأفضلها في نفس الوقت، لأنها تحرك جوانب مسؤولية الحاكم تجاه المحكوم حيث يشعر الأول برقابة الثاني، ويشعر الثاني بأهمية الأول، ولهذا يعطي أهمية كبيرة لخياراته الانتخابية، كما أن الديمقراطية تجعل الشعب يحكم نفسه بنفسه عن طريق منتخبيه في المجالس النيابية فيشارك في الحكم دون أن يمتطي كرسي الحكم. والديمقراطية هي النظام الذي يرجع السلطة أو مصدرها إلى الإرادة العامة للشعب.
تدعيم الأطروحة بحجج شخصية : يبقى النظام الديمقراطي أفضل الأنظمة، لأن الديمقراطية تضمن الاستقرار، بما أنها تفتح المجال للتعددية والمشاركة المتنوعة لمختلف التشكيلات السياسية، ويكون فيها البقاء للأفضل، كما أنها تشعر المواطن أنه مسؤول عن خياره في اختيار من يحكمه، ويقود زمام أموره. وليس هناك نظام أفضل من الديمقراطية في تحرير الشعوب من قيود الطغيان والديكتاتورية، فهي تمثل محيط واسع للحريات المتنوعة من حرية الرأي وحرية التعبير والصحافة، وحرية الاعتقاد والدين، فغياب الديمقراطية يعني قتل تلك المظاهر التي تقترن بمصير حياة الإنسان وفكره، الفكر الذي يبحث دائما عن فضاء الحرية لممارسة نشاطه بكل إبداع بعيدا عن كل القيود والمضايقات.
نقد خصوم الاطروحةهناك من يعتقد أن النظام الديكتاتوري هو الأفضل لأنه يقوم على أساس القوة، وفي نظرهم لا يمكن تهذيب الشعوب إلا بالقوة، ولا يمكن الحفاظ على السلطة إلا بالعنف، والعنف الوسيلة الوحيدة التي تخلق الاحترام بين الحاكم والمحكوم. لكن العنف لا يولد إلا العنف، فالأنظمة الديكتاتورية التي تبنى على دماء الأبرياء، وعقول المفكرين المعارضين لا يمكن أن تستمر في النمو بقدر ما يكون مآلها الزوال والاندثار وعدم الاستمرار، فهل هناك نظام ديكتاتوري لا يتخبط بأمراض العصيان المدني يوميا؟ هل هناك من الأنظمة الديكتاتورية من يعيش الاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي، وتكون فيه علاقة الحاكم بالمحكوم مقبولة ومبنية على المحبة وقبول الثاني بالأول؟ إن ما نشاهده على أرض الواقع هو أن الشعوب التي تعيش تحت القهر شعوب تنتظر فقط من يشعل فتيل التمرد فيها لتنفجر.
حل المشكلة:  في الأخير يمكن أن نؤكد أن الديمقراطية تعتبر نظام العصر، فكل الشعوب تحارب من أجل تكريسها على أرض الواقع، وكل الشعوب المقهورة تتمنى لو تعيش حلمها، بنظام ديمقراطي يضمن حريتها ويحقق طموحاتها، في حرية الرأي والتعبير وفي تشكيل الأحزاب والجمعيات، وفي تحقيق العدالة الاجتماعية، وذلك عن طريق تكافؤ الفرص ومحو الفوارق الطبقية بين الناس وإزالة الفقر والبؤس عن الطبقة العاملة التي هي مصدر الإنتاج والثروة في المجتمع وبالتالي الأطروحة القائلة (( إن الديمقراطية هي أفضل الأنظمة السياسية )) صحيحة وصادقة ويمكن الأخذ بها وتبنيها .








هل مصدر السلطة الفرد أم الجماعة ؟
مقدمة طرح الإشكال
منذ القديم كان الإنسان يعيش حياة بدائية ،تخللتها الفوضى وتسيرها القوانين الطبيعية .حيث يسيطر القوي على الضعيف بمعنى قانون الغاب .لكن تطورت حياته وأصبح يعيش حياة أكثر تنظيما وسط مجتمع مدني تسوده مجموعة من القوانين وهذا المجتمع يسمى الدولة و التي تعتبر تنظيم سياسي يوجه وينظم حياة الأفراد و في الإقليم او المنطقة الجغرافية المحددة وبهذا تمارس سلطتها على الشعب ، بمجموعة قوانين وقواعد تنصها السيادة أو السلطة العليا الداخلية . وقد حدث جدال في الأوساط الفلسفية حول النظام السياسي الأمثل لدولة .فهناك من يري أن الحكم الفردي هو الأمثل .وهناك البعض الآخر يرى أن الحكم الجماعي هو الأمثل لدولة .فهل السلطة المطلقة الأمثل لدولة أو السلطة الجماعية ؟


2) 
محاولة حل المشكلة
:


1- 
الموقف الأول
: " الحكم الفردي".يرى بعض المفكرين والفلاسفة ان افضل انظمت الحكم السياسي هو
الحكم الفردي المطلق هو اول مظهر من مظاهر السلطة ،ويعود ظهوره الى العهد اليوناني او قبله بقليل ، ويعتبر "هوبز" من أبرز الفلاسفة الذين برورو على نحو فلسفي ضرورة الحكم المطلق ، بعتبار أن البشرية مرة بمرحلتين من الحياة الاجتماعية الاولى طبيعية خالية من السلطة "حياة فوضى " والثانية وجود السلطة باتفاق جميع الافراد على التنازل عن كل ممتلكاتهم وحقوقهم للحاكم مقابل حمايتهم ، وان كل مايصدر عن الحاكم ليس ظلما باعتبار ان العدل والظلم هما ما يقرر هما الحاكم و نجده في انظمة الحكم الديني والذي كان يعتقد فيه الشعب ان الحاكم ذو طبيعة الالهية وان ارادته ارادة الالهية عليا وفي هذا يقول بوليس" ان كل سلة مصدرها لارادة الالهية ومن ثمة تكون سلطة الحاكم ملزم لانه منفذ لارادة الله"،ولقد تطرو مفهوم هذا الحكم الى ان اصبح الاعتقاد بان الله هو من اختار الحاكم وجعله خليفة ليمارس السلطة باسمه في الارض .هذا اضاقة الى انظمة الحكم الفردي المطلق نجد الحكم الاستبدادي والذي هو نوع من انواع الحكم الملطلق ، والذي ينفرد فيه الحاكم بالسلطة ، ويتولى وضع القوانين التي يلزم الافراد بالخضوع لها دون الخضوع هو لها ، وخضوع الشعب له خضوع مطلق ،وهذا اضافة الى الحكم الوراثي وذي يتولى فيها السلطة اجيال من عائلة ملكية واحدة بالوراثة ،اي لا يخرج من نطاق الاسرة الواحدة ،وكان في بدايته الاولى يحمل نفس مبادئ الحكم الاستبدادي ولكنه تطور مفهومه ابتدا من العصر الحديث حيث تعددة الحزاب و اصبح الشعب بطريقة غير مباشرة يشارك في الامور السياسية داخل الدولة
 .
نقد او مناقشة
بالنظر الى الحكم الفردي نجد هناك عدة نقاط سلبية تشمل بالتحديد عدم مشاركة الشعب في اختيار من يمثله في السلطة اضاقة الى انه حكم مستبد وظالم باعتبار ان القوانين تطلق فقط على الشعب دون خضوع الحاكم لها ولهذا ظهر نوع اخر من الحكم يتمثل في الحكم الجماعي الديمقراطي .


2- 
الموقف الثاني
 " الحكم الجماعي الديمقراطي" يرى بعض المفكرين و الفلاسفة انه الحكم الأفضل والأمثل
ان الحكم الجماعي هو ان يتولى شخص واحد الحكم ويختار من طرف الشعب ويطلق عليه الحكم الديمقراطي ااو الديمقراطية وهي كلمة يونانية الاصل تتكون من "ديموس وتعني الشعب ودراموس والتي تعني السيادة " وبذلك فهي نعني سيادة الشعب" اي للشعب الحق او الشعب هو من يختار ويضع الحاكم وتتمثل في نوعين من الديمقراطية " المباشرة " وهي نظام الحكم الجماعي ظهر في العصر اليوناني وكان في بدايته الأولى حكم ارستقراطي " حيث كان النبلاء وحدهم من يجوز لهم المشاركة في مجلس الحكام ولكن تطور الديمقراطية اليونانية جعلها تحمل مبادئ أخرى تشمل ا لمساواة بين جميع المواطنين حيث يحق للجميع المشاركة في تعين الحاكم واتخاذ القرارات ويعتبر "حون جاك روسو" ابرز من أعطى أهمية كبرى لديمقراطية واعتبرها تقوم على السيادة والحرية والمساواة فالسيد الحقيقي في الحكم الديمقراطي هو الشعب حيث أن القوانين الموضوعة من طرف الدولة يخضع لها الشعب والحاكم معا أما الحرية تعني طاعة الفرد وخضوعه للقانون الذي هو في نفس الوقت خضوع لإرادته في حين ان المساواة تعد مشروعة وتقررها الإرادة العامة وهذا يعني أن الحكومة تخضع للقانون مثل اي عضو آخر داخل الدولة . وفي هذا يقول روسو:"ليس تأسيس الحكومة عقدا او قانونا وأن الذين توزع لهم السلطة التنفيذية ليسوا أسيادا لشعب إنما موظفون ويوسع الشعب رفعهم وخلعهم عندما يرغب بذالك و المسألة إليهم ليست مسألة عقد على الإطلاق وإنما هي طاعة القانون".إذن فالديمقراطية تستدعي مستوى معين من الوعي والتفكير .هذا إضافة إلى نوع ثاني من الديمقراطية "وهي التمثيلية" وظهره بمظهرين هما ديمقراطية الحريم والمساواة .فالديمقراطية اللبرالية او الحربة السياسية " تقوم على مبدأين متناقضين الحرية والقانون حيث الحرية يملكها أرباب العمل وهي حرية مطلقة والقانون يمثله الدولة ولهذا نتج عنها فلسفتين مختلفتين ديمقراطية المساواة واللبرالية فهما من حيث المفهوم التاريخي متناقضتين الديمقراطية اللبرالية فهي تقوم على مبدأ إعطاء الأولوية للفرد على الجماعة والديمقراطية الاشتراكية أو المساواة الاجتماعية .ويعتبرون ان المساواة هي ميدا لا بد من تحقيقه ف المجتمع الاشتراكي ولكنهم يعترفون بالطابع الديكتاتوري للدولة الاشتراكية ويرونه ضرورة تضمن الوصول إلى المجتمع الديمقراطي

والأفراد في هذا المجتمع الاشتراكي يعني الديمقراطية والتي تعني حكم الشعب لهذا فهم يعتقدون ان الدولة شر يجب ان يزول
 .
النقد والمناقشة
 : أن الديمقراطية الاشتراكية هي كغير من أنماط الفكر الإنساني لم يكن ثابتة فقد عرفت انتقادات وتحولات باعتبار أن الحياة الإنسانية متعددة المجالات ومختلف القدرات ولذ الا يمكن تطبيق المساواة المطلقة إضافة إلى ا ما نادي به المفكرون الاشتراكيون بزوال الدولة أمر غير واقعي لأنه يؤدي إلى حدوث اضطرابات وخلافات داخل المجتمع.


3-
التركيب
:
من هنا يمكننا القوال آن أنظمت الحكم قد عرفت تطورا حيث بدأت فردية بمحض القوى في الحكم الاستبدادي والوراثة في الحكم الوراثي واعتبار الحاكم اله في الحكم الديني ثم تطور فأصبح جماعي أكثر تنظيما مما عليه وهذا بتدخل الشعب في اختيار الشعب اي ديمقراطي والذي يبق حسب المجتمعات



4-
الخاتمة : نستنتج أن أنظمت الحكم عرفت تطورات كبيرة من الفردي إلى الجماعي الديمقراطي والذي يطبق حسب طبيعة المجتمعات"اشتراكي أم راسما لي
".





* بإمكانك إدراج الأكواد الغير قابلة لنشر بتحويله عبر محول الأكواد

تحويل الأكوادإغلاق التعبيراتإخفاء

شكرا لتعليقك
قالب بداية .. نقطة .